يدخل على كل عبد من مناطق ضعفه، فهذا يدخل عليه من باب حبه للنساء، وهذا من باب حبه لجمع المال، وهذا من باب الإكثار من الطعام، وهذا من باب سوء الظن، وهذا من باب البدعة، وهذا من باب ترك الفاضل وفعل المفضول.
المهم أنه لا يريد أن يخرج صفر اليدين في معركته مع العبد.
إنه أمر مُخيف أن نتعامل مع عدو يملؤه الحقد والحسد والكراهية نحونا، ولا يرضى بأقل من النار مصيرا لنا .. يرانا ولا نراه .. نغفل عنه ولا يغفل عنا .. يدخل علينا من المداخل التي نُحبها.
فما العمل إذن؟! وما السبيل إلى محاربته وتوقِّيه؟
إنه القرآن الذي بين أيدينا، فهو دائم التحذير من خطورة الشيطان، وعداوته المتأصلة للبشر جميعا.
قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: ٦].
ويُذكرنا دائما بماضيه مع البشر، وكيف استطاع أن يُضل الكثير منهم.
قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} [يس: ٦٠ - ٦٢].
ولا يكتفي القرآن بهذا كله، بل يُبين لقارئه أبوابه، ومداخله عليه، وكيف يحترز منها، مثل قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: ٣٦].
وقوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء: ٥٣].
الجانب الخامس
قصة الوجود ويوم الحساب
الكثير من الناس يدخل إلى الدنيا ثم يخرج منها وهو لا يدري لماذا وُجد فيها، بل إنه لا يُجهد نفسه في البحث عن إجابة عن هذا السؤال، فهو يسير مع غيره .. همُّه جمع المال، وتأمين احتياجاته من مطعم ومشرب وملبس ومسكن.
يتزوج كغيره، ويُنجب الأولاد ليزداد سعيه من أجل تأمين مستقبلهم المادي في الدنيا ..
يكبر سنه شيئا فشيئا، وهو يظن أنه قد أدى دوره في الحياة، ثم يموت ليُفاجأ بالحقيقة، يقول تعالى: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: ٢٢].
فما هي تلك الحقيقة التي يُفاجأ بها الغافلون عند الموت: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: ٩٩، ١٠٠]. إنها حقيقة الدنيا، وحقيقة المهمة التي خُلقنا من أجلها.
[الدنيا دار امتحان]
إننا - معشر البشر - لم نهبط إلى الدنيا ونمض فيها ما نمضي من السنوات لنأكل أو لنشرب أو لنتزوج وتكون لنا ذرية .. بل لأمر عظيم أبت السماوات والأرض أن تحمله: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: ٧٢].
إنه اختبار في عبادة الله عز وجل بالغيب في ظل تمتعنا بحرية الاختيار، ومع وجود النفس الراغبة في نيل الشهوات، وحب العاجلة.
وشاء الله عز وجل أن تكون الأرض هي مكان هذا الاختبار .. {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف: ٧].