وقبل أن يشرد الذهن باحثا عن حل لهذه المشكلة لابد من معرفة أسبابها ... هذه الأسباب تدور في مجملها حول النقاط التالية:
١ - الأفكار والمعتقدات الخاطئة التي ترسَّبت في عقل الفرد على مر السنين، وأصبحت من الثوابت التي تُشكل المنطلق الأول للسلوك.
٢ - غياب الفهم الصحيح للإسلام والذي قد يؤدي إلى تضخيم فرع من الفروع على حساب أصل من الأصول.
٣ - ضعف الإيمان: فالإيمان هو الدافع للأعمال الصالحة وعلى قدر وجوده في القلب يكثُر حجم تلك الأعمال.
٤ - عدم جهاد النفس على لزوم الصدق والإخلاص: فقد يقوى داعي الإيمان في القلب وينتصر على داعي الهوى، ويقوم المرء بما يأمره به إيمانه، لكنه لا يستفيد من تلك الأعمال ولا يصل أثرها إلى القلب، بل تتعرض للإحباط وعدم القبول من الله، وذلك بسبب أن النفس تُريد أن تأخذ حظها من تلك الأعمال، إما بدفع صاحبها إلى الإعجاب والاغترار بها واعتبار أنها السبب في القيام بهذه الأعمال، أو بدفعه للتحدث بها وتزيينها أمام الناس، وكلا الأمرين يؤديان - والعياذ بالله - إلى إحباط العمل.
[المعجزة الكبرى]
إذن فلكي يُصبح الواحد منَّا ذا سلوك سَوِي، بفهم صحيح، وبصدق وإخلاص لابد أن يشمل التغيير عقله وقلبه ونفسه.
فإن كان الأمر كذلك فما هو المنهج القادر على إحداث هذا التغيير في هذه المحاور الثلاثة، والذي ينبغي أن يكون ميسرا للجميع؟!
هنا يأتي دور القرآن العظيم، وتظهر قيمة معجزته الكبرى.
فالقرآن لا يكتفي بتعريف الناس طريق الهدى، ولا يؤدي فقط دور المصباح الذي يشع النور فيُبدد الظلمات، ويُنير طريق السالكين إلى الله، بل يقوم بنفسه بإخراج مَن يتمسك به من الظلمات إلى النور، وتغييره وإعادة تشكيله ليُصبح عبدا مخلصا لله في كل أموره وأحواله.
وهذا هو سر معجزته والتي جعلته تتفوق على سائر المعجزات الأخرى كمعجزة عيسى - عليه السلام - في إحياء الموتى، أو عصا موسى، أو ناقة صالح ....
قد يقول قائل: إن معجزة القرآن تكمن في أسلوبه، وبلاغته، وتحدِّيه للبشرية، وأنه صالح لكل زمان ومكان و ... .
نعم، هذا كله من أوجه إعجازه، ولكن يبقى سر إعجازه الأعظم في قدرته على التغيير ... تغيير أي إنسان، ومن أي حال يكون فيه، ليتحول من خلاله إلى إنسان آخر عالما بالله عابدا له في كل أموره وأحواله، حتى يتمثل فيه قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: ١٦٢].