للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تاريخ هجر القرآن]

والمقصود بهجر القرآن أي هجر الانتفاع به، وعدم الدخول إلى مصنعه وماكيناته التي من شأنها أن تغير الشخص - أي شخص - لتصنع منه مؤمنا عابدا لله - عز وجل - في كل أموره وأحواله.

وتاريخ هجر القرآن يبدأ من قرون ماضية، حيث اهتم المسلمون ببعض جوانب العلم، وتوسعوا فيها كعلم الكلام والفقه، فوضعوا لها قواعد ثم شروحا ثم حواشي ثم مختصرات، وكان هذا كله على حساب القرآن الذي بات لا يُستدعى إلا في المآتم وعند المرض وفي رمضان.

يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله:

هجر المسلمون القرآن إلى الأحاديث ..

ثم هجروا الأحاديث إلى أقوال الأئمة ..

ثم هجروا أقوال الأئمة إلى أسلوب المقلدين ..

وكان تطور الفكر الإسلامي على هذا النحو وبالا على الإسلام وأهله، روى ابن عبد البر عن الضحاك بن مزاحم: «يأتي على الناس زمان يُعلق فيه المُصحف حتى يعشش عليه العنكبوت، لا يُنتفع بما فيه، وتكون أعمال الناس بالروايات والأحاديث» (١).

إذن فما يحدث للقرآن الآن من تعامل شاذ وغريب ما هو إلا نتاج ميراث ورثناه من القرون الماضية، تحول فيها المسلمون عن القرآن بالتدريج حتى صار إلى ما هو عليه الآن، وحين يستاءل بعضنا عن عدم قدرتنا على الانتفاع بالقرآن كما انتفع به الصحابة، لابد أن تبدأ الإجابة بتشخيص حالنا مع القرآن.

[التشخيص]

الهدف الأسمى من نزول القرآن: هداية الناس إلى الله عز وجل، قال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: ٤٤].

فهل تعاملنا مع القرآن من هذا المنطق؟ وهل بدأنا معه من هذه النقطة، وأتينا أمره من أوله؟ أم ماذا فعلنا؟ المتأمل لحالنا يجد أننا قد ابتعدنا في تعاملنا مع القرآن عن الهدف الذي نزل من أجله، وتركناه كمصدر للهداية والتوجيه، ثم بحثنا عن ذلك في مصادر أخرى فتشتتنا وتفرقنا.

لم نعط القرآن حقه في وقتنا، وعندما نقرأه فبحناجرنا فقط، لم نعطه الفرصة ليُشكل تصوراتنا ويُصيغ شخصياتنا ويكون المصدر الأول لثقافتنا.

يعيب بعضنا على من لم يحسن أحكام التلاوة بل قد تهتز صورته في عينيه، ولا نوجه أي نصيحة لمن لا يفقه المعاني.

قصرنا فهمنا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» (٢) على تعلم قراءته فقط، مع أن المقصد من الحديث كما يقول ابن تيمية: تعلم حروفه ومعانيه جميعا، بل تعلم معانيه هو المقصد الأول من تعلم حروفه، وذلك الذي يزيد الإيمان (٣).

أصبح جُل اهتمامنا حين نقرأ القرآن الوصول إلى نهاية السورة دون الاهتمام بتفهم ما نقول، بل قد ينتقل الواحد منا من سورة إلى أخرى دون أن يشعر، وإن سُئلنا عن الآيات التي استوقفتنا فلن نجد جوابا.

وعندما يأتي رمضان - والذي شرفه الله بنزول القرآن فيه - يبدأ السباق فيما بيننا حول عدد ختمات القرآن التي سنختمها فيه.

- ظن بعضنا أن مفهوم الانشغال بالقرآن هو الانشغال بحفظ ومراجعة حروفه فقط دون التفقه فيه وفهم مراد الله منه، فانكب على حفظه آلاف وآلاف ..

- تغير مفهوم حامل القرآن لدينا، فتجد الواحد منا كما هو قبل أن يحفظ السورة من القرآن وبعد حفظها، لم يتغير أي شيء من أخلاقه أوتعاملاته.

- ندير مؤشر المذياع على صوت القارئ ثم نتركه ليملأ جنبات المكان وننشغل عنه بأمورنا الخاصة وكأننا لسنا المخاطبين بهذا القرآن.


(١) فقه السيرة للغزالي (٤٢، ٤٣).
(٢) أخرجه البخاري.
(٣) تدبر القرآن للسنيدي نقلا عن الفتاوى لابن تيمية (١٣/ ٣٠٤).

<<  <   >  >>