عندما دلت عليه الأحاديث إذا صحت عنده، ذكر ابن عبد البر في " الانتقاء "(١) «أنه قيل لأبي حنيفة: المحرم لا يجد الإزراء يلبس السراويل؟ قال: لا ولكن يلبس الإزراء قيل له: ليس له إزار قال يبيع السراويل ويشتري بها إزار، قيل له: فَإِنَّ النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ وَقَالَ:" المُحْرِمُ يَلْبَسُ السَّرَاوِيلَ إِذَا لَمْ يَجِدِ الإِزَارَ " فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا عِنْدِي عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ فَأُفْتِي بِهِ، وَيَنْتَهِي كُلُّ اِمْرِئٍ إِلَى مَا سَمِعَ، وَقَدْ صَحَّ عِنْدَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:" لاَ يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ السَّرَاوِيلَ ". فَنَنْتَهِي إِلَى مَا سَمِعْنَا، قِيلَ لَهُ أَتُخَالِفُ [النَّبِيَّ]- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ يُخَالِفُ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بِهِ أَكْرَمَنَا اللهُ، وَبِهِ اِسْتَنْقَذَنَا».
فهذا هو الذي يليق بحال هذا الإمام الكبير لا ما ذكروه من ترهات وأباطيل.
وكثيرًا ما كان الإمام يرى رَأْيًا ثم يثبت عنده حديث ويقتنع به فيرجع عن رأيه الأول، ذكر ابن عبد البر في " الانتقاء " بسنده «عَنْ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ أَمَانِ الْعَبْدِ فَقَالَ: " إِنْ كَانَ لاَ يُقَاتِلُ فَأَمَانُهُ بَاطِلٌ ".فَقُلْتُ لَهُ:" إِنَّهُ حَدَّثَنِي عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ الفُضَيْلِ بْنِ يَزِِيدٍ الرَّقَاشِيِّ قَالَ: كُنَّا نُحَاصِرُ الْعَدُوَّ فَرُمِيَ إِلَيْهِمْ بِسَهْمٍ فِيهِ أَمَانٌ فَقَالُوا قَدْ أَمَّنْتُمُونَا، فَقُلْنَا: إِنَّمَا هُوَ عَبْدٌ. فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَعْرِفُ مِنْكُمُ العَبْدَ مِنَ الحُرِّ فَكَتَبْنَا بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَرُ أَنْ أَجِيزُوا أَمَانَ الْعَبْدِ. فَسَكَتَ أَبُو حَنِيفَةَ ثُمَّ غِبْتُ عَنِ الْكُوفَةِ عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ قَدِمْتُهَا فَأَتَيْتُ أَبَا حَنِيفَةَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ أَمَانِ الْعَبْدِ، فَأَجَابَنِي بِحَدِيثِ عَاصِمٍ وَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ. فَعَلِمْتُ أَنَّهُ مُتَّبِعٌ لِمَا سَمِعَ». وما من شيء يرمى به الإمام إِلاَّ وتجد في الصحيح من الرواية ما يرده ويدفعه.
ولنأخذ في ذكر ما سرده المؤلف ومناقشته:
قال: قال حافظ المغرب في " الانتقاء ": «كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ اسْتَجَازُوا الطَّعْنَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ لِرَدِّهِ كَثِيرًا مِنْ أَخْبَارِ الآحَادِ الْعُدُولِ لأَنَّهُ