للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال في قوله تعالى: (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ) «١» انه يدل على أن القرآن يمكن معرفة المراد به بظاهره أو بقرينة ليصح أن يقع به الإنذار.

وقال نحوا من ذلك في قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) «٢»، وقوله: (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) «٣» فالبرهان ما دل على غيره به، والنور ما يبصر به سواه، ولا يكون القرآن كذلك الا وهو دال بنفسه، معروف بلفظه، وقد علم أن القرآن انما نزل بلغة العرب، فلا بد أن يعرف تفسيره من عرف هذه اللغة، والا لما صح وصفه بأنه نور وبرهان!.

ثم إن دلالة الكلام إنما تعتبر بأمرين: المواضعة، وحال المتكلم، فبالمواضعة يصير للكلام معنى وإلا كان في حكم الحركات وسائر الأفعال، وفي حكم الكلام المهمل. ولا بد كذلك من اعتبار حال المتكلم لأنه لو تكلم به وهو لا يعرف المواضعة، أو عرفها ونطق بها على سبيل ما يؤديه الحافظ، أو يحكيه الحاكي، أو يتلقنه المتلقن، أو تكلم به من غير مقصد، لم يدل. فإذا تكلم به وقصد وجه المواضعة فلا بد من كونه دالا «إذا علم من حاله أنه يبين مقاصده، ولا يريد القبيح ولا يفعله» «٤»


(١) الآية ٧ سورة الشورى: التهذيب ورقة ٣٠/ و.
(٢) الآية ٥١ سورة العنكبوت.
(٣) الآية ١٧٤ سورة النساء.
(٤) المغني للقاضي عبد الجبار ١٦/ ٣٤٧.

<<  <   >  >>