للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه هي حال القرآن في دلالته على المراد، لنزوله بلغة العرب وما تواضعوا عليه من الكلام، ولصدوره من حكيم عليم بهذه المواضعة.

ولا يقال: إن الكلام قد يقع منه تعالى ويعلم بدليل العقل أن مراده غير ظاهره، لأن دليل العقل كالقرينة، كما لو قارنه كلام متصل يدل على الوجه الذي يقتضيه مجموعه.

فإن قيل: إذا جاز في أحدنا أن يبتدئ بالمواضعة على مثل كلام قد تقدم، فهلا جاز مثله في القديم تعالى؟ فالجواب أن ذلك قد وقع في الأسماء الشرعية لما دلّ عليها، فأما مع فقد الدلالة وكونه مخاطبا باللغة المخصوصة فلا بد من أن يريد ما وضع له، وإلا حل المخاطب للعربي بالزنجية ومعرفة المراد به متعذر عليه.

١ - ليس في القرآن ما هو غير عربي: ولا يصح أن يقال إن في القرآن ما ليس بعربي لأن الله تعالى يقول فيه (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) «١» ويقول: (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) «٢» إلى آيات أخرى كثيرة تؤكد عربية القرآن، ولأنه صلّى الله عليه وسلم كان يتلو عليهم هذه الآيات فلو كان فيه لغة غريبة لردوا عليه. قال الحاكم: «وما يروون في قوله (القسطاس) أنه رومي، و (سجّيل) عجمي، فالمراد أنه وافق لغة العرب لغة الروم، أو كان في الاصل روميا فأدخلته العرب في لغتها فصارت لغة لهم، يبين ذلك أن «سجيل» ليس في لغة العجم وإنما في لغتهم «سنك وكل» وهذا


(١) الآية ١٩٥ سورة الشعراء.
(٢) الآية ٣ سورة الزخرف.

<<  <   >  >>