للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن الحقيقة إلى المجاز قد يحتاج إلى ذلك، لأن من شرطه ألّا يخل بعادة العرب في التجوز كما يقول ابن رشد، ولهذا كان نقل الكلام على جهة العبارة بطريقة لا تشهد لها المواضعة ولا عادة العرب في المجاز- على طريقة الباطنية مثلا- لا يحتاج إلى شيء من تلك العناية، كما أنه لا يمكن عده من التأويل في شيء لأنه مردود بظاهر اللفظ، ولهذا آثرنا بحثه في الفصل السابق دون هذا الفصل.

وأنواع المجاز التي ركن إليها الحاكم في التأويل، هي الأقسام الثلاث المشهورة: مجاز الزيادة، ومجاز الحذف، ومجاز التشبيه والتمثيل والوضع في غير موضعه «١»، واختلافه مع خصومه في الآيات التي يدخلها التأويل يعود إلى هذه الأقسام الثلاثة، حيث يذهب هو مثلا إلى أن في الآية مجاز حذف أو زيادة أو تمثيل .. ويذهب الخصم إلى التمسك بالظاهر.

ولهذا اشتد حرص الحاكم في مناقشته للخصوم على إبطال دعوى تمسكهم بالظاهر في كثير من الأحيان، وإثبات أن ما يفسرون به الآية إنما هو ضرب من ضروب التأويل، تمهيدا لإثبات أن تأويلهم ليس بأولى من تأوله الذي يجري فيه- كما أسلفنا- على قاعدته في التوحيد والعدل.

ونورد فيما يلي- من تفسير الحاكم- بعض الشواهد الدالة على ذلك، والمبينة لضروب المجاز في تأويله، ولعنايته الفائقة باللغة، وذلك قبل أن نستعرض طرفا من تأويلاته الهامة في باب العدل والتوحيد، التي نؤثر عرضها بحسب أبوابها الكلامية- دون أنواع المجاز فيها- والتي ستؤكد كلامنا عن الطريقة اللغوية عند الحاكم رحمه الله.


(١) راجع الفقرة الأخيرة من الفصل السابق.

<<  <   >  >>