آ) استدل المجبرة- خصوم الحاكم- بقوله تعالى:(ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ)«١» على مذهبهم في أنه تعالى يصرف عن الإيمان، نقل الحاكم عن شيخه القاضي عبد الجبار أن تأويلهم هذا باطل لا يلتفت إليه، لأن «الظاهر» يقتضي أنه صرف قلوبهم! وليس في الآية أنه صرفهم عن إيمان أو عن غيره من الأفعال، فإذا ادعوا «أن في الكلام أمرا محذوفا فقد تعدوا الظاهر ودخلوا تحت التأويل» وليس أدل على فساد تأويلهم من أن الله تعالى لو أراد بذلك- كما زعموا- الكفر والمنع من الإيمان، لما جاز أن يجعله كالجزاء على انصرافهم!
ثم إن من مذهبهم أنه تعالى هو المبتدئ بالكفر، وأنه صرف قلوبهم عن الإيمان سواء أعرضوا عن سماع القرآن أم لم يعرضوا ... الخ.
ووجه التأويل عند الحاكم أنهم لما انصرفوا «عاقبهم الله على انصرافهم» فسمى العقوبة على الانصراف باسمه، من باب تسمية الشيء بسببه أو مقارنه، كما قال تعالى:(وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) وكما جاء في أقوال العرب: الجزاء بالجزاء، وليس الأول بجزاء .. إلى غير ذلك من الشواهد.
وقال الحاكم في قوله تعالى:(وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) إن فيه مجاز الزيادة، ومعناه: ويبقى ربك، فذكر الوجه تأكيدا، كما يقال: وجه الرأي، وليس ثمة جارحة، وأراد: حقيقته وصوابه.
وتمسّك المشبّهة بظاهر الآية لا يصح، لأن معناه: يبقى الوجه دونه!!