(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً)«١» قيل: التمسنا قربها لاستراق السمع، فوجدناها ملئت حفظة شدادا من الملائكة، وشهبا من النجوم. (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ ... ) أي لاستراق السمع، يعني: كان يتهيأ لنا قبل هذا: القعود في مواضع الاستماع إلى الملائكة، فنعرف ما نسمع من الغيب، فمن يستمع الآن يجد له
نارا تحفظ أمر السماء.
وقيل: إن هذه الشهب كثرت في هذه الأيام وانتقضت العادة بها فكانت معجزة، ومنعت الجن عن الاستماع من الملائكة ليسمعوا من النبي صلّى الله عليه وسلم فإنه كان مبعوثا إليهم!
قال الحاكم: «ومتى قيل: كيف توصّلوا إلى استراق السمع؟
قلنا: يحتمل أنهم صاروا بآلات أعطاهم الله تعالى إلى مواضع تكون الملائكة فيها فيتكلمون ويستمعون ويلقون إلى غيرهم.
«ومتى قيل: فأيّ مفسدة في استراق السمع حتى منعوا منه؟
قلنا: وجوه، منها: إيهامهم ضعفة الجن أنهم يعلمون الغيب؛ لأنهم إذا وجدوا الأمر كما قالوا انقادوا لهم. ومنها: أنهم يجعلونه طعنا في النبوات والمعجزات. ومنها: أنهم يلقون ذلك إلى الإنس بالوسوسة فيصير شبهة.
ومنها: أن نزول الملائكة وصعودهم يكثر أيام البعثة، وإذا التقى البعض وذكروا من الأمور الغائبة ويستمع الشياطين فيسبقون إلى العلم به النبيّ صلّى الله عليه وسلم فيفسدون على الضعفة أمر النبوات. ومنها: أنه كان مبعوثا إليهم فلا يجوز أن يستمعوا الرسالة إلا منه. ومنها: أنه معجزة له ولطف لهم حثهم على التدبر والفحص.