للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جواز النسخ قبل الفعل، وإنما لا يجوز قبل وقت الفعل لأنه يدل على البداء، فأما إذا فات وقته جاز نسخه لأن المصلحة قد تتغير.»

قال: «واختار أبو مسلم وجماعة من المفسرين أن المأمور به ثانيا هو «بيان» للمأمور به أولا وليس بنسخ». قال الحاكم: وعندنا أنه تكليف بعد تكليف وليس ببيان، لوجوه: منها «أن الأمر الأول لا يحتاج إلى بيان، ولو احتاج لما جاز تأخير البيان عن وقت الخطاب. ومنها: أن العلماء أجمعوا على أنهم لو ذبحوا بقرة أجزأت عنهم، فلما راجعوا وبين صفة البقرة اشتد عليهم، فلم تجز إلا بقرة موصوفة، فكان تكليفا غير الأول.

ومنها: أن قوله تعالى (فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) استبطاء وذم لهم، فلولا أنهم مقصرون وإلا لما صح ذلك، ولو كان يلزمهم الفعل عند آخر البيان لما كانوا مقصرين ولما استحقوا الذم!».

واستدل بعضهم على جواز النسخ قبل «وقت» الفعل بقصة الذبيح إسماعيل عليه السلام «١» وأن الله تعالى نسخ الأمر الذي كلف به إبراهيم قبل أن يذبح ولده، وعند الحاكم أن القصة ليس فيها نسخ لا قبل الفعل ولا قبل وقت الفعل، لأن إبراهيم- عنده- لم يؤمر بذبح ولده أصلا، وإنما أمر بمقدمات الذبح، وكان الحسن يقول: ظن أنه سيؤمر بالذبح فلم يؤمر به. قال الحاكم: «ومتى قيل: لم قال (أني أذبحك)؟ قلنا:

لم يقل: أمرت بالذبح، ولكن رأى في المنام كأنه أضجعه والسكين تمر في أوداجه، ولذلك قال: (افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) ولم يقل: ما أمرت!!


(١) انظر الآيات ١٠٠ - ١٠٧ سورة الصافات، التهذيب ١٦٤.

<<  <   >  >>