الأمر الثاني: سبب تعذر المعارضة هو المزية: وإنما تعذرت عليهم المعارضة للمزية الزائدة على ما جرت به العادة، لا لعذر منعهم من ذلك، أو لاشتغالهم بما هو أهم، أو أي شيء آخر.
١) لم يتركوا المعارضة لعذر: ولا يقال إنهم تركوا المعارضة لعذر، لأن التحدي بالكلام الفصيح ليس من باب المناظرة والجدل حتى يقال- مثلا- إن ذلك لم يكن طريقتهم! وقد كانوا على معرفة بصناعة الكلام، مع وفور عقلهم، فلما لم يستطيعوا التخلص من التقريع بشيء من الكلام، دل ذلك على عجزهم وأنه لا عذر لهم.
ولا يقال إنهم عدلوا إلى المقاتلة لظنهم أن لها المزية؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلم لم يظهر أمره لأنه أقوى، بل لأن المعجز شهد له، فكيف يخفي عليهم أن الذي يبلغون به إفساد أمره وتوهين حاله هو المعارضة دون المقاتلة! ولم لم يجمعوا بين الأمرين، وأحدهما لا يمنع من الآخر؟ أو لماذا لم يعارضوا حين لم ينفعهم القتال؟ ثم إنه صلى الله عليه بقي الزمان الطويل يتحداهم ولا جهاد ولا مقاتلة، وحيث كانت لم تتصل ولم تدم! وهل يختار أحد ما لا يؤدي إلى البغية على ما لو فعل لوقعت به البغية؟ قال الحاكم:
«وكل ذلك يبطل قولهم إنه صلّى الله عليه وسلم غاظهم بالحرب فشغلهم عن المعارضة!».
٢) لم يتركوا المعارضة لغير المزية الخارجة عن العادة: ولا بد أن المزية التي قعدت بهم عن المعارضة خارجة عن المزية التي يتفاضل بها كلام البشر، لأن هذه مزية معتادة لا تترك المعارضة لأجلها. قال الحاكم:
«فإن قيل: تركوها لأنهم لو عارضوا لاشتبهت الحال فوقع الاختلاف!