الأمر والنهي، جامعا لهم على رئاسة نفسه، مبطلا لرئاستهم المختلفة.
وخامسها: أن يخوفهم بأعظم العقاب، ويرغبهم بأعظم الوعد، وأن يكلفهم في المال والنفس والحقوق ما تنفر عنه طباعهم. وسادسها: أن يغض منهم فيما يتفاخرون به من الفصاحة بإظهار مزية القرآن عليهم. وكل ذلك داع مع ما جبل عليه القوم من الأنفة والحمية والتباعد من العار. قال الحاكم:
«ومعلوم هذا من حال العرب فكيف يجوز أن يتمكنوا، أو بعضهم، من المعارضة فيتركوها؟».
٣) عدم وقوع المعارضة: ثم إنهم لم يعارضوا القرآن فعلا، ولو فعلوا لنقل ذلك إلينا، لأن الدواعي إلى نقل المعارضة قوية من جهات، منها: أن القرآن حينئذ يكون شبهة! ومعارضتهم حجة، والدواعي إلى نقل الحجة أتم وأوفر. ومنها: أن الذي يدعو إلى إبطال أمره بالمعارضة يدعو إلى إبراز المعارضة وإظهارها، فيجب أن تنقل والحال هذه! ومنها: أنها لو وقعت وعهدها وعهد القرآن واحد لم يجز أن ينقل أحدهما دون الآخر، لأن كل شيئين ظهرا وثبت في نقلهما الدواعي والعهد واحد، لا يجوز أن ينقل أحدهما دون الآخر! قال الحاكم:«ولولا صحة ذلك لجاز أن يقال: كان في أيامه أنبياء ولم ينقل خبرهم! وجاز أن يكون له طبقة من الصحابة أقدم من الذين عرفناهم ولم ينقل، ولأدى إلى التشكك في الأخبار والعادات». ومنها: أنه نقلت المعارضة الركيكة التي كانت من مسليمة وغيره، فكيف لم تنقل الفصيحة وهي بالنقل أولى؟ ومنها: أنه نقل عن كبارهم العدول إلى طلب أخبار الفرس وسائر ما يدل على التحير وضيق الصدر، ولو كانت المعارضة واقعة لم يكن لذلك وجه.