للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الخيرات دينا ودنيا، وأمر بالصلاة التي هي آكد عبادات البدن، وأمر بالهدايا التي هي من حقوق المال. وفيه أن ما يفعله ينبغي أن يكون لله، وفيه بشارة بهلاك أعدائه وظهور أمره. فأما اللفظ: فتشاكل الألفاظ، وسهولة مخرج الحروف، وحسن التأليف، وتقابل المعاني، لأن قوله (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) أحسن موقعا من: أعطيناك الكثير، أو النعم، أو نهرا في الجنة، أو النبوة، من حيث سهولة اللفظ واشتماله على المعاني الكثيرة.

وقوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) أحسن من: صلّ لنا، وقوله: (وَانْحَرْ) أحسن من أنسك. و (الْأَبْتَرُ) أحسن من «الأحسن» وأعم، وأدل على الكناية فهذه الحروف القليلة جمعت

المحاسن، مع ما فيها من الفخامة وعظم الفائدة، حتى تقبلها النفوس ولا تمجها الآذان» «١».

وقال في قوله تعالى- في قصة أم موسى- (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ) «٢» «في الكلام اختصار، أي فذهبت فوجدت آل فرعون أخرجوا التابوت وأخرجوا موسى (فبصرت به)» قال: «وهذا من إعجاز القرآن في إيجاز الكلام الدال على المعنى الكبير».

وكثيرا ما يروق له مثل هذا التعليق أمام اختصار الحوادث، وفي المشاهد الحاضرة في القرآن الكريم.

وبالرغم من دقة الحاكم في فهم فكرة «النظم» التي ردّها كوجه إعجاز للقرآن، على ضوء المدرسة الجبائية- كما سنرى في البند التالي- إلى جانب إيمانه بفكرة الفصاحة هذه، وأنها إنما تظهر في الجمل دون الكلمات،


(١) التهذيب، ورقة ١٥٧/ ظ.
(٢) الآية ١١ سورة القصص، ورقة ٤٠/ ظ.

<<  <   >  >>