قضاة الحنفية، وأنه قرأ عليه كتب ظاهر الرواية، ولا شك أن قراءتها يحتاج إلى زمن غير قليل، فانتقاله عن المذهب الحنفي- فيما يبدو- لم يكن في سن مبكرة أو في سن الطلب على الأقل. بل لعل ذلك إنما كان بعد أن اشتهر وعرفت آراؤه في المذهب، نظرا لشهرة هذا الانتقال بين الفقهاء، ولتعرضهم له في بعض مسائل الفقه، قال الفقيه العلامة سليمان الصعدي، في كتاب له اسمه «التذكرة» في باب الأطعمة والأشربة، عند ذكر المثلّث من الخمر:«وكان المحسّن بن كرامة الجشمي حنفي المذهب عدليّ الاعتقاد، ثم إنه رجع إلى مذهب الزيدية والشيعة، روى ذلك عنه صاحب التمهيد من بني خنش رحمه الله تعالى، ورواه أيضا محمد بن أحمد القرشي ... »«١» ولكن شهرته في الزيدية بعد قد غطت على «أصله» الحنفي، وبخاصة بعد أن كتب في فقه الزيدية- فيما يبدو- كثيرا من الكتب، والحنفية على كل حال لم يترجموا له في طبقاتهم على أي اعتبار.
٢) أما في أصول الاعتقاد فهو معتزلي لم يزل، وقد كان شيوخه ممن أخذ عن القاضي عبد الجبار أو من هو في طبقته، وكان القاضي- كما أشرنا- من أتباع المدرسة الجبائية ومن أشياع أبي هاشم بخاصة، ومن هنا جاء انتساب الحاكم إلى معتزلة البصرة- الفرع الذي بقي أقوى أثرا وأبعد صوتا- ولأبي هاشم الذي أكثر من النقل عنه بعبارة «قال شيخنا أبو هاشم» وللقاضي عبد الجبار الذي كان شديد الاعجاب به وبعلمه وكتبه وطريقته في التدريس حتى قال فيه: «وليس تحضرني عبارة
(١) طبقات الزيدية (الطبقات الزهر) ليحيى بن الحسين، ورقة ٣٤.