للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالمشرك لا يرجو بعثاً بعد الموت، فهو يحب طول الحياة، واليهودي قد عرف ماله في الآخرة من الخزي، بما صنع بما عنده من العلم (١)، فهذا الجنس وما شاكله هم شر الناس، فتجده ينتشر بينهم: الجشع، والطمع، وقهر الشعوب، واستعبادهم، وسلب ثرواتهم، حرصاً منهم على التمتع بلذات الحياة الدنيا، ولهذا يظهر بينهم الانحلال الخلقي، والسلوك البهيمي.

وهم إذا رأوا الحياة الدنيا تربو متاعبها وآلامها على ما يأملون من لذات عاجلة، لم يكن لديهم أي مانع من الإقدام على الموت، فهم لا يقدرون مسؤولية في حياة أخرى، فليس لديهم ما يمنع من إقدامهم على التخلّص من هذه الحياة.

من أجل هذا اهتم الإسلام وجاء التأكيد في القرآن على قضية الإيمان باليوم الآخر، وإثبات البعث والحساب والجزاء، فأنكر على الجاهلين استبعادهم له، وأمر نبيه أن يقسم على أنه حق: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧)} [التغابن:٧]، وذكر من أحوال يوم القيامة وما أعده لعباده المتقين من ثواب، وما أعده للعاصين من عقاب، ولفت نظر الجاحدين له إلى دلائل حقيّته، استئصالاً للشك من النفوس، وحتى يضع الناس نصب أعينهم هذا اليوم وما فيه من أهوال تقشعر لها الأبدان، ليستقيم سلوكهم في هذه الحياة، بأتباع الدين الحق الذي جاءهم به رسولهم -صلى الله عليه وسلم-) (٢).

إن الإيمان الصحيح بالله وبكل ما جاء عن الله. والإيمان برسول الله وبكل ما جاء عن رسول الله له ثمرات. ثمرات يانعه، ثمرات طيبة لذيذة.

ثمرات هي بهجة النفوس وغذاء الأروح، وطمأنينة القلب. فمنها قول لا إله إلا الله محمد رسول الله عن علم ويقين وصدق وإخلاص ومحبة وقبول وانقياد.

ومن ثمرات الإيمان والتصديق فعل جميع الواجبات وترك جميع المحرمات. والحكم بقوانين الشريعة الإسلامية، وإبعاد القوانين الوضعية.

ومن الثمرات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوفاء بالعهود والمواثيق، وأداء الأمانات، والتحلي بالصبر والصدق، والبر والإحسان، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، ومحبة المؤمنين وبغض الكافرين، والتقوى واليقين وخشية رب العالمين، وإيفاء المكاييل والموازين، والنصح لله ولرسوله ولعباده ولأئمة المسلمين، والشفقة والعطف والرحمة بالفقراء والأيتام والمساكين، والزهد والورع، وصدق المعاملة مع الله، وبذل الندى وكف الأذى، كل ذلك من ثمرات الإيمان والتصديق.


(١) انظر: تفسير ابن كثير (١/ ١٨٤).
(٢) انظر: أشراط الساعة، ص ٢٧ - ٣٣.

<<  <   >  >>