للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا حان الأجل وشارفت حياة الإنسان على المغيب أرسل الله رسل الموت لسل الروح المدبرة للجسد والحركة له، قال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (٦١)} [الأنعام:٦١]، وملائكة الموت تأتي المؤمن في صورة حسنة جميلة، وتأتي الكافر والمنافق في صورة مخيفة.

وما يحدث للميت حال موته لا نشاهده ولا نراه، وإن كنا نرى آثاره، وقد حدثنا ربنا تبارك وتعالى عن حال المحتضر فقال: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (٨٥)} [الواقعة:٨٣ - ٨٥]، والمتحدث عنه في الآية الروح عندما تبلغ الحلقوم في حال الاحتضار، ومن حوله ينظرون إلى ما يعانيه من سكرات الموت، وإن كانوا لا يرون الملائكة التي تَسُلُ روحه، قال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (٦١)} [الأنعام:٦١]، وقال في الآية الآخرة: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (٣٠)} [القيامة:٢٦ - ٣٠] والتي تبلغ التراقي هي الروح، والتراقي جمع ترقوه وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق (١).

وقد صرح القرآن بأن الملائكة تبشر المؤمن بالمغفرة من الله والرضوان، وتبشر الكافر بسخط الله وغضبه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢)} [سورة فصلت:٣٠ - ٣٢]. وهذا التنزل كما قال طائفة من أئمة التفسير منهم مجاهد (٢) إنما يكون حال الاحتضار (٣).

أما الكفرة الفجرة فإن الملائكة تتنزل عليهم بنقيض ذلك قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ


(١) تفسير ابن كثير (٤/ ٤٨١).
(٢) هو مجاهد بن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة أبو الحجاج المخزومي مولاهم المكي: ثقة إمام في التفسير والعلم من الثالثة مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومئة - وله ثلاث وثمانون. تقريب التهذيب لابن حجر ص ٤٥٣، ط. الأولى، بعناية: عادل مرشد، مؤسسة الرسالة، بيروت ١٤١٦ هـ.
(٣) تفسير ابن كثير (٤/ ١٠٧).

<<  <   >  >>