للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عجبا، تَمامًا على الَّذِي أحسن، وتفصيلا لكل شئ وتبيانا، فصدع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَمْر من اخْتَار ذَاته الطاهرة، واصطفاها، وَأدّى أَمَانَة الله ووفاها، وَرَأى الخلايق على شفا المتالف فتلافاها، وتتبع أدواء الضلال فشفاها، ومحا معالم الْجَهْل وعفاها، وشاد الْحق لِلْخلقِ بنيانا، مؤيدا بالمعجزات، الَّتِي حججها تقبل وتسلم، فَمن جذع لفراقه يتألم، وجماد بِتَصْدِيق نبوته يتَكَلَّم، وجيش شكا لَهُ الظمأ، ففجر لريه الْمعِين مِنْهُ بنانا. وَأي معْجزَة ككتاب الله، الَّذِي لَا تَنْقَضِي عجايبه، فَهُوَ اليم، والعلوم النافعة كلهَا مذانبة، وأفق الْحق الَّذِي تهدي فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر كواكبه، وَالْحجّة الْبَالِغَة الَّتِي أَصبَحت بَين الْحق وَالْبَاطِل فرقانا، فأشرقت الأَرْض بِنور رَبهَا وآياته، وتمت كلمة الله صدقا وعدلا، لَا مبدل لكلماته، وَبلغ ملك أمته، مَا زوى لَهُ من أقطار الْمَعْمُور وجهاته، حَتَّى عمر من أكناف البسيطة، وأرياف الْبحار المحيطة وهادا وكثبانا، ونقلت كنوز كسْرَى بعز دَعوته الْغَالِبَة [وظفرت بفلح الحسام عزايمها الْمُطَالبَة] ، وَأصْبح إيوَان فَارس، مجر رماح الْعَرَب الْعَارِية، وقذفت جنود قَيْصر من دواليها بِالشُّهُبِ الثاقبة، حَتَّى فر عَن مدرته الطّيبَة آيبا بالصفقة الخايبة، وخلصت إِلَى فسطاط مصر بكتايبها المتعاقبة، فَلَا تسمع الآذان فِي مقاماتهم إِلَّا إِقَامَة وأذانا، وَلَا دَلِيل أظهر من هَذَا الْقطر الأندلسي الْغَرِيب، الَّذِي خاضت إِلَيْهِ بسيوفها أثباج الْبحار على بعد المراحل، ونزوح الديار، وتكاثف العمالات، وَاخْتِلَاف الْأَمْصَار، ومنقطع الْعِمَارَة بأقصى الشمَال ومحط السفار، طلعت عَلَيْهِ كلمة الله طُلُوع النَّهَار، واستوطنته قبايل الْعَرَب الْأَحْرَار، وأرغمت بِهِ أنوف الْكفَّار، ضرابا سَبِيل الله وطعانا. وَلما استقام الدّين، وتمم معالم الْإِيمَان الرَّسُول الْأمين، وَظهر الْحق الْمُبين، وراق من وَجه الْملَّة الحنيفية السمحة الجبين، وَأخذ المسالك والمآخذ والإفصاح

<<  <  ج: ص:  >  >>