وصدموا حاميته الضخمة، ووالوا عَلَيْهَا الشدَّة، حَتَّى أزعجوهم عَنْهَا عنْوَة، واستلحموا مِنْهُ جملَة. وَشَمل الربض النهب، ورغا فَوق أَهله الْعَذَاب الصعب، وتعلقوا بعده بسور الْبَلَد، وبادرنا الهيعة، وَقد هزت ريَاح النَّصْر عذبات الرَّايَات، وسد مَا بَين الْخَافِقين علو كلمة الشَّهَادَات باخْتلَاف الْأَصْوَات، وصكت الأسماع رعود الطبول، واستنجز الْمُؤْمِنُونَ الصَّابِرُونَ من رَبهم مِيقَات الْوَعْد الْمَفْعُول، فَلَا ترى إِلَّا هاويا من ذرى شرفة، تخلفه جملَة، أَو شَهِيدا يتزاحم على مواقفه لمة، أَو ثنية تفرع، أَو شعارا يسمع. وَنزل الصَّبْر، وأنجز الْوَعْد، وَقذف الله الرعب فِي قُلُوب الْكَافرين، وأمد أولياه بالملايكة المسومين. ففرعت أسوار الْمَدِينَة ضَرْبَة، وَدخلت وَالْحَمْد لله عنْوَة، وَجَاز فرسانها فِي السكَك، يطيرون من ضيقَة إِلَى أُخْرَى، والمسلمون يَأْخُذُونَ عَلَيْهِم الفوهات، ويسوقونهم إِلَى المتمنعات، وَقد شرهت السيوف، وتخارقت الرماح، وَحقّ عَلَيْهِم القَوْل، وأخذتهم الرجفة. وَاخْتَارَ لمة مِنْهُم ميتَة الإيجاز والإعذار لأَنْفُسِهِمْ بالفرار، على الْميتَة بَين الديار، ففتحوا بعض أسوارها وألهبوا الْخَيل ركضا، وأجهدوها خضا، وَركب الْمُسلمُونَ أكتاف مدبرهم، واعترضوا وُجُوه مقبلهم، فبهروهم بِالسُّيُوفِ، وعاجلوهم بالحتوف، واستولوا على أقطار الْمَدِينَة اسْتِيلَاء أعجل المجانيق عَن الرُّكُوع، وصواعق الصخر عَن الْوُقُوع، وجبل الْحَرْب عَن الإحكام، والاعتدال عَنْهَا بالهندام. وَانْطَلَقت الْأَيْدِي على مَالا يَنَالهُ، وَلَا يُدْرِكهُ الْكسْب، من الْأَمْوَال الدرة، والأمتعة الثرة، والذخاير المصونة، وآنية الزِّينَة الثَّقِيلَة، والأسلحة المستجادة، وعاثت فِي الخزاين الطامية، والأقوات الهايلة، ودنان الأدهان
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute