للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

آلافه، وَغنما شذت عَن الْعبارَة أَوْصَافه. ونازلنا مَدِينَة جيان وشهرتها فِي الْمَعْمُور، تغنى عَن بسط مَالهَا من الْأُمُور، فَفَتحهَا الله عنْوَة، وَجعل سبيهَا للاسترقاق، ومقاتلتها للبيض الرقَاق. وغزونا بعده مَدِينَة أبدة، فَكَانَت أُسْوَة لَهَا فِي التدمير والعفا الميير. ثمَّ نازلنا مَدِينَة قرطبة، وَهِي أم هَذِه الْبِلَاد الْكَافِرَة، وَدَار النعم الوافرة، وكدنا نستبيح حماها المنيع، ونشتت شملها الْجَمِيع، لَوْلَا عايق أمطار، وَأجل مَخْصُوص بِمِقْدَار. ورحلنا عَنْهَا بعد انتهاك زلزل الطود، ووعدنا بِمَشِيئَة الله الْعود، ونأمل من الله إيفاد الْبُشْرَى بِفَتْحِهَا على بِلَاد الْإِسْلَام، ومتاحفة من بهَا بالإخبار بِهِ والإعلام. ثمَّ فتحنا بعْدهَا ثغورا مقفلة الْأَبْوَاب، ومعاقل مُتَعَلقَة بالسحاب، كحصن روط، وحصن الحوار، وحصن قنبيل، أَمن الْإِسْلَام جوارها، وَعمر بالمجاهدين أقطارها. وَخرج لنا ملك الرّوم فِي مشارطات أردناها، وفرص لعز الْإِسْلَام ابتدرناها عَن حصون أَرْبَعَة، طهرنا بيُوت الله بهَا، من دنس الْأَوْثَان، وعوضنا النواقيس بِكَلِمَة الْإِيمَان. وَالْحَمْد لله على الْمَوَاهِب الامتنان، وَمِنْه نسل الْمَزِيد من الْإِحْسَان. وَأقرب الْمَدَائِن بافتتاحها، الجزيرة الخضراء، وَهِي بَاب الْإِسْلَام، الَّتِي مِنْهَا دخل الْفَتْح، وَعظم عَلَيْهَا بِكَلِمَة الله الْمَنّ والمنح، وقدرها الْكَبِير أعظم من أَن يَسْتَوْفِي وَصفه التَّعْبِير. فانبسطت الآمال، وضفت على الْإِسْلَام ملابس الْيمن والإقبال. وَهَذِه المجملات تحْتَمل شرحا، تسبح فِيهِ الأقلام سبحا، من أَوْصَاف مَغَانِم شذت عَن الْحصْر، ومعاقب لنزول السكينَة، وهبوب النَّصْر، وَمَا ظهر من جد الْمُسلمين فِي افْتِتَاح تِلْكَ المعاقل المنيعة، ومقارعة الجموع الكثيفة، وبركة الحزم فِي كل حَال مَوْجُودَة، والوسائل بأَهْله فِي الْقَدِيم والْحَدِيث لَا مخيبة وَلَا مَرْدُودَة، فَهُوَ الأَصْل والغمد، الَّذِي سهل مِنْهُ هَذَا النصل، حَتَّى بلغ النُّجُوم القاصية، وقاد من استعصى بالناصية. وَقد ظهر لنا أَن وجهنا إِلَى الْمَدِينَة المقدسة، صلوَات الله على من بهَا وَسَلَامه. نعرفه بِهَذِهِ البركات الهامية من سما عنايته. المعدودة خوارقها من آيَته. فَكلهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>