للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِي أيامنا هَذِه الميامين عَلَيْكُم، قد غمرتكم آلَاء الله ونعمه، وملأت أَيْدِيكُم مواهبه وقسمه، وشغل عَدوكُمْ بفتنة قومه، فنمتم للعافية فَوق مهاد، وَبعد عهدكم بِمَا تقدم من جهد وَجِهَاد، ومخمصة وسهاد، فأشفقنا أَن يجركم توالي الرخَاء إِلَى البطر، أَو تحملكم الْعَافِيَة عَن الْغَفْلَة عَن الله، وَهِي أخطر الْخطر، أَو تجهلوا مواقع فَضله تَعَالَى وَكَرمه، أَو تستعينوا على مَعْصِيّة بنعمه، فَمن عرف الله فِي الرخَاء، عرفه فِي الشدَّة، وَمن استعد فِي الْمهل، وجد مَنْفَعَة الْعدة، والعاقل من لَا يغتر بِالْحَرْبِ أَو السّلم بطول الْمدَّة، فالدهر مبلى الْجدّة، ومستوعب الْعدة، وَإِخْوَانكُمْ الْمُسلمُونَ، قد شغلوا الْيَوْم بِأَنْفسِهِم عَن نصركم وسلموا الله فِي أَمركُم وَفتحت الْأَبْوَاب، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه بثغركم، وأهمتهم فتن تركت رسوم الْجِهَاد خَالِيَة خاوية، ورياض الكتايب الْخضر ذابلة ذاوية، فَإِن لم تشعروا لما بَين أَيْدِيكُم فِي هَذِه البرهة، فَمَاذَا تنتظرون، وَإِذا لم تستنصروا بِاللَّه مولاكم فبمن تستنصرون، وَإِذا لم تستعدوا فِي الْمهل، فَمَتَى تستعدون. لقد خسر من رَضِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بالدون، فَلَا تأمنوا مكر الله، فَإِنَّهُ لَا يَأْمَن مكر الله إِلَّا الْقَوْم الخاسرون. وَمن الْمَنْقُول عَن الْملَل، وَالْمَشْهُور فِي الْأَوَاخِر وَالْأول، أَن الْمعْصِيَة إِذا فَشَتْ فِي قوم، أحَاط بهم سوء كسبهم، وأظلم مَا بَينهم وَبَين رَبهم، وانقطعت عَنْهُم الرحمات، وَوَقعت فيهم المثلات والنقمات، وشحت السَّمَاء، وغيض المَاء، واستولت الْأَعْدَاء، وانتشر الدَّاء، وجفت الضروع وأخلفت الزروع، فَوَجَبَ علينا أَن نخولكم بِالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة، والذكرى الَّتِي توقظ من السّنة، وتقرع آذانكم بقوارع الْأَلْسِنَة، فاقرعوا الشَّيْطَان بوعيها، وتقربوا إِلَى الله برعيها. الصَّلَاة الصَّلَاة فَلَا تهملوها، ووظائفها الْمَعْرُوفَة فكملوها، فَهِيَ الرُّكْن الوثيق، وَالْعلم الماثل على جادة الطَّرِيق، والخاصة الَّتِي يتَمَيَّز بهَا هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>