ومقبرتها المنضدة عجب فِي الانتظام. مَعْدُودَة فِي الْمرَافِق الْعِظَام، وتتأتى بهَا للعباد الْخلْوَة، وَيُوجد عِنْدهَا للهموم الشلوة، كَمَا قَالَ ابْن الْخَطِيب:
(وصلت حثيث السّير فِيمَن فَلَا الفلى ... فَلَا خاطرت لما نأى وانجلى انجلا)
(وَلَا نسخت كربي بقلبي سلوة ... فَلَمَّا سرى فِيهَا نسيم سلا سلى)
وَكفى بالشابل رزقا طريا، وسمكا بالتفضيل حريا، يبرز عدد قطر الديم، وَيُبَاع ببخس الْقيم، ويعم حَتَّى المجاشر النائية والديم. إِلَّا أَن ماءها لَا يرْوى بِهِ وَارِد، لَا كريم وَلَا بَارِد، وإلفها شارد، والخزين بهَا فَاسد، وبعوضها مستأسد راضع غير مفطوم [خَالع للعذار غير محطوم] وَاسع للحد والخرطوم، تصغى لرنته الْأَذَان، ويفتك بوخز اللِّسَان، كالقوس تصمى الرمايا وَهِي مرنان، وديارها فِي المَاء دَار عُثْمَان، وطواحنها عالية الْأَثْمَان، وكثبانها تلوث بيض الثِّيَاب طي العياب، وعابر واديها إِلَى مأرب أكيد فِي تنكيد، إِلَى غَلَبَة الْإِمْسَاك، وخوض النساك، وَكَثْرَة أَرْبَاب الخطط، والإغيا فِي الشطط، تذود عَن جناتها للأسد جنان، فَلَا يلتذ بقطف العنقود مِنْهَا بنان، وَفِي أَهلهَا خفَّة، وميزانها لَا تعتدل مِنْهَا كفة. قلت فانقا، قَالَ، جون الْحَط والاقلاع ومجلب السلاع، تهوى إِلَيْهَا النَّفس شارعة، وتبتدر مسارعة، تصارف برهَا الذَّهَبِيّ بِالذَّهَب الإبريز، وتراوح برهَا وتفاديه بالتبريز.
(يكثر الطير حَيْثُ ينتشر ... الْحبّ وتغشى منَازِل الكرماء)
وخارجها يفضل كل خَارج، وقنيصها يجمع بَين طَائِر ودارج، وفواكهها طيبَة وأمطارها صيبة، وكيلها وافر، وسعرها عَن وَجه الرخَاء سَافر، وميرتها لَا يَنْقَطِع لَهَا خف وَلَا حافر. لَكِن مَاؤُهَا وهواؤها عديما الصِّحَّة، وَالْعرب عَلَيْهَا فِي الْفِتَن ملحة، والأمراض عَلَيْهَا تعيث وتعبث، والخزين لَا يلبث.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute