للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قلت فتازى، فَقَالَ، بلد امْتنَاع، وكشف قناع، وَمحل ربع وإيناع، ووطن طَابَ مَاؤُهُ، وَصَحَّ هواؤه، وَبَان إشرافه واعتلاؤه، وجلت فِيهِ مواهب الله وآلاؤه، عصيره مثل، وَأمر الخصب بِهِ ممتثل، وفواكهه لَا تحصى بِمَائِهَا لأقصى، وحبوبه تدوم على الخزن، وفخاره آيَة فِي لطافة الجرم وخفة الْوَزْن، إِلَّا أَن رِيحه عاصف، وبرده لَا يصف واصف، وَأَهله فِي وبال من معرة أهل الْجبَال، وليوثه مفترسة، وأخلاق أَهله شرسة.

قلت فغساسة، قَالَ فريسة وأكيلة، وحشف وَشر كيلة، إِلَّا أَنَّهَا مرسى مطروق بِكُل مَا يروق، ومرفأ جَارِيَة بحريّة، ومحط جباية تجرية.

ثمَّ لما وصل إِلَى هَذَا الْحَد، نظر إِلَى حَاج السُّوق، وَقد أَفَاضَ، ومزاده أعمل فِيهِ الإنفاض، وعلو الْأَصْوَات بِهِ قد صَار إِلَى الانخفاض. فَقَالَ، وَجب اعتناء بالرحيل واهتمام، وكل شَيْء فَإلَى تَمام، ومددت يَدي إِلَى الدُّعَاء فحزمته، وَإِلَى الْعين فأرقته، فَقلت لَا حكمتك من كرائم بني الأصقر فِي الْعدَد الأوفر، ماثلة فِي اللبَاس المزعفر، فَلَمَّا خضب كَفه بجنابها، وحصلت النَّفس على استغنائها، استدناني، وَشَبك بنانه ببناني، وَقَالَ لَا حَبط الله عَمَلك، وَلَا خَابَ أملك، وَلَا عدم المرعى الخصب هملك، فلنعم فعلي البضائع، وحافظ الْفضل الضائع ومقتنى الْفَوَائِد، ومعود العوائد. واستثبت مخيلته فَإِذا الشَّيْخ وتلميذه، وَحِمَاره ونبيذه، وَقد تنكر بالخضاب المموه، والزي المنوه، وعاث نخده الشّعْر المشوه. فَقلت هيه، أَبَت المعارف أَن تتنكر، والصباح أَن يجْحَد أَو يُنكر، كَيفَ الْحَال بعدِي، وَمَا اعتذارك عَن إخلاف وعدي، فَقَالَ:

(خُذ من زَمَانك مَا تيَسّر ... واترك بجهدك مَا تعسر)

(فلرب مُجمل حَالَة ... موصى بهَا مَا لم تفسر)

(والدهر لَيْسَ بدائم ... لابد أَن سيسوء أَن سر)

<<  <  ج: ص:  >  >>