قَالَ، سهر الرشيد لَيْلَة، وَقد مَال فِي هجر النَّبِيذ مَيْلَة، وَجهد ندماؤه فِي جلب رَاحَته، وإلمام النّوم بساحته، فشحت عهادهم، وَلم يغن اجتهادهم. فَقَالَ، اذْهَبُوا إِلَى طرق سَمَّاهَا ورسمها، وَأُمَّهَات قسمهَا، فَمن عثرتم عَلَيْهِ من طَارق ليل، أَو غثاء سيل، أَو ساحب ذيل، فبلغوه، والأمنة سوغوه، واستدعوه، وَلَا تَدعُوهُ. فطاروا عجالا، وَتَفَرَّقُوا ركبانا ورجالا، فَلم يكن إِلَّا ارتداد طرف، أَو فوَاق حرف، وَأتوا بِالْغَنِيمَةِ الَّتِي اكتسحوها، والبضاعة الَّتِي ربحوها، يتوسطهم الْأَشْعَث الأغبر، واللج الَّذِي لَا يعير، شيخ طَوِيل الْقَامَة، ظَاهر الاسْتقَامَة، سبلته مشمطة، وعَلى أَنفه من الْقبْح مطة، وَعَلِيهِ ثوب مرقوع، لطير الْخرق عَلَيْهِ وُقُوع، يهينم بِذكر مسموع، وينبي عَن وَقت مَجْمُوع. فَلَمَّا مثل سلم، وَمَا نبس بعْدهَا وَلَا تكلم. فَأَشَارَ إِلَيْهِ فَقعدَ، بعد أَن انشمر وابتعد، وَجلسَ، فَمَا اسْترق النّظر وَلَا اختلس، إِنَّمَا حَرَكَة فكره، معقودة بزمام ذكره، ولحظات اعْتِبَاره، فِي تفاصيل أخباره. فَابْتَدَرَهُ الرشيد سَائِلًا، وانحرف إِلَيْهِ مائلا، وَقَالَ مِمَّن الرجل، فَقَالَ فَارسي الأَصْل، أعجمي الْجِنْس، عَرَبِيّ الْفَصْل. قَالَ بلدك، وَأهْلك وولدك. قَالَ أما الْوَلَد، فولد الدِّيوَان، وَأما الْبَلَد، فمدينة الإيوان. قَالَ النحلة وَمَا أعملت إِلَيْهِ الرحلة، قَالَ [أما الرحلة فالاعتبار، وَأما النحلة فالأمور الْكِبَار] قَالَ، فنك، الَّذِي اشْتَمَل علية دنك، فَقَالَ، الْحِكْمَة فني الَّذِي جعلته أثيرا، وأضجعت مِنْهُ فراشا وثيرا، وَسُبْحَان الَّذِي يَقُول. وَمن يُؤْت الْحِكْمَة، فقد أُوتِيَ خيرا كثيرا، وَمَا سوى ذَلِك فتبيع، ولي فِيهِ مصطاف وتربيع. قَالَ فتعاضد جذل الرشيد وتوفر، وكأنما غشى وَجهه قِطْعَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute