يَوْمًا بِسوء اخْتِيَاره، فأجل فكرك فِي التمَاس عذره وتوجيه عاره، واحتل بفطنتك فِي رمه، وَاحْذَرْ أَن توافقه على ذمه، وذلل نيتك لكلامك. واصرف إِلَى ترك التجاوز جلّ اهتمامك، فَالْكَلَام إِذا طابق نِيَّة الْمُتَكَلّم حرك نِيَّة السَّامع، وَإِذا صدر عَن الْقلب، أَخذ من الْقلب بالمجامع. وَإِذا توجه إِلَيْك عَتبه لشُبْهَة فِي أَمرك عرضت أَو ظنة تعرضت، فَلَا تقبل رِضَاهُ عَنْك تمويها، مَا لم تقم حجتك فِيهَا، وَلَا تسام إِلَّا لَامة، وأره أَنَّك لَا تُؤثر الْحَيَاة دون بَرَاءَة الساحة حَتَّى ترْتَفع الظنة رَأْسا، وَلَا تخشى من تبعة الإحنة بَأْسا، وَيكون ذَلِك عِنْده شَاهدا بِفَضْلِك، وزايدا لَهُ فِي محلك، وَلنْ لَهُ إِذا غضب، وَاتَّقِ الكريهة دونه، إِن رهب، واصرف لحظك عَنهُ إِن أكل أَو شرب، وسد بَيْنك وَبَينه بَاب العتاب بالمشافهة أَو الْكتاب، وَلَا تخف من طَاعَة الْملك إِلَّا مَا وَافق من طَاعَة ربه، يضع الله تجلتك فِي ذَاته، وَاذْكُر قَول الْوَزير الْمُتَقَدّم، وَقد أمره الْملك الْمُسَلط بقتل رجل، وتلطف فَسبق لَهُ عَن ذَنبه بِمَا جر عَظِيم إِنْكَاره وقطيع عَتبه أَيهَا الْملك السعيد لَو كنت مالكي وَحدك، لأنفذت من غير مهلة أَمرك، وشرحت بالامتثال صدرك، وَلَكِنَّك تملك ظاهري وَحده، ولى من يملكهُ وَمَا بعده، وَإِذا انفذت عَهْدك، نكثت عَهده، وَإِذا خرجت من يدك، دخلت فِي يَده الَّتِي لَا تمنع، فَكيف أصنع وَله الْأَمر أجمع، وَأَنا لَك فِي طَاعَته من شِرَاك نعلك أطوع. فَبكى الْملك الْجَاهِل لصدق حجَّته وَحمل الرجلَيْن من لعفو على أوضح محجته. وَهَذَا الْقدر كَاف لأولي الْأَلْبَاب فِي هَذَا الْبَاب.
الرُّكْن الثَّالِث: فِيمَا يحذرهُ من تقدم الْملك عَلَيْهِ فِي الْأَمر الَّذِي أسْند إِلَيْهِ، وَجعل زمامه فِي يَدَيْهِ. وَاعْلَم أَن من [الْعَار] بارتياضك، وسداد أغراضك أَن يتقدمك الْملك بِخلق هِيَ أولى بك، وادخل فِي حِسَابك، من الصَّبْر على الملاهي،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute