للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْأَدَب وشب، ونشق ريح الْبَيَان لما هَب، فجاور رَقِيقه وجزله، وأجاد جده وَأحكم هزله، فَإِن مدح صدح، وَإِن وصف أنصف، وَإِن عصف قصف، وَإِن أنشأ وَدون، وتقلب فِي أفانين البلاغة وتفنن، أفسد مَا شَاءَ وَكَون، فَهُوَ شيخ الطَّرِيقَة الأدبية وفتاها، وخطيب محافلها كلما أَتَاهَا، لَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ من أغراضها غَرَض، وَلَا يضيع لَدَيْهِ مِنْهَا مفترض، وَلم تزل بروقه تتألق، ومعانيه بأذيال الْإِحْسَان تتَعَلَّق، حَتَّى برز فِي أبطال الْكَلَام وفرسانه، وذعرت الْقُلُوب لسطوة لِسَانه، وَأَلْقَتْ إِلَيْهِ الصِّنَاعَة زمامها، ووقفت عَلَيْهِ أَحْكَامهَا فشعشع قدامتها وَنبهَ ندامها، وَأرْسل رجومها. وَعبر الْبَحْر لهَذَا الْعَهْد منتجعا لشعرة ومنفقا فِي سود الكساد من سعده، فأبرق وأرعد، وحذر وتوعد، وَبلغ جهد إِمْكَانه فِي التَّعْرِيف بمكانه، فَمَا حرك وَلَا هز، وذل فِي طلب الرفد وَقد عز، وَمَا برح أَن رَجَعَ إِلَى وَطنه الَّذِي اعتاده رُجُوع الحَدِيث إِلَى قتاده، وَقد أثبت من نزعاته، وَبَعض مخترعاته، مَا يدل على سَعَة بَاعه، ونهضة ذراعه، وألمعت بِشَيْء من سَبَب رحلته واغترابه، وعود مرهفه إِلَى قرَابه.

وَفِي وصف أبي عبد الله المتأهل الْمَعْرُوف بعمامتي من أهل وَادي آش ناظم أَبْيَات، وموضح غرر وشيات، وَصَاحب توقيعات وإمارات ذَوَات إشارات، اشْتهر فِي بَلَده اشتهار الشيب فِي المفارق، وتألق بأفقه بألق البارق. وَكَانَ شَاعِرًا مكثارا، وجوادا لَا يخَاف عثارا. دخل على أَمِير بَلَده [المخلوع عَن ملكه بعد انتثار سلكه وَخُرُوج الحضرة عَن ملكه، واستقراره بوادي آش] مروع المَال متعللا بقصيات الآمال.

وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْمُؤلف رَحمَه الله

إِن طَال الْكَلَام، وجمحت الأقلام، كنت كَمَا قيل مادح نَفسه يُقْرِئك

<<  <  ج: ص:  >  >>