في شيء من ذلك لبين للناس ما نزل إليهم فقد أوردنا في هذا المختصر ما تجب فيه وأشرنا إلى أشياء من الأموال التي لا زكاة فيها مما قد جعله بعض أهل العلم من الأموال التي تجب فيها الزكاة كما ستسمع ذلك. وأما كونها لا تجب إلا على من كان مكلفا فاعلم أن هذه المقالة قد ينبو عنها ذهن من يسمعها فإذا راجع الإنصاف ووقف حيث أوقفه الحق علم أن هذا هو الحق وبيانه أن الزكاة هي أحد أركان الإسلام ودعائمه وقوائمه ولاخلاف أنه لا يجب شيء من الأربعة الأركان التي الزكاة خامستها على غير مكلف فإيجاب الزكاة عليه إن كان بدليل فما هو؟ فما جاء عن الشارع في هذا شيء مما تقوم به الحجة كما يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالاتجار في أموال اليتامى لئلا تأكلها الزكاة فلم يصح في ذلك شيء مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما ما روي عن بعض الصحابة فلا حجة فيه وقد عورض بمثله كما روى البيهقي عن ابن مسعود قال:"من ولي مال اليتيم فليخلص عليه من السنين فإذا دفع إليه ماله أخبره بما فيه من الزكاة فإن شاء زكى وإن شاء ترك" وروى نحو ذلك عن ابن عباس وإن قال قائل: إن الخطاب في الزكاة عام كقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التوبة:١٠٣] ونحوه فذلك ممنوع وليس الخطاب في ذلك إلا من يصلح له الخطاب وهم المكلفون وأيضا بقية الأركان بل وسائر التكاليف التي وقع الاتفاق على عدم وجوبها على من ليس بمكلف الخطابات بها عامة فلوكان عموم الخطاب في الزكاة مسوغا لإيجابها على غير المكلفين لكان العموم في غيرها كذلك وإنه باطل بالاجماع ومااستلزم الباطل باطل مع أن تمام الآية أغنى قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التوبة:١٠٣] يدل على وجوبها على الصبي وهوقوله: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}[التوبة:١٠٣] فإنه لا معنى لتطهرة الصبي والمجنون ولا لتزكيته. وبالجملة فأموال العباد محرمة بنصوص الكتاب والسنة لا يحلها إلا التراضي وطيبة النفس أو ورود الشرع كالزكاة والدية والأرش والشفعة ونحو ذلك فمن زعم أنه يحل مال أحد من عباد الله سيما من كان قلم التكليف