يجوز لأهل الدين أن يأخذوا جميع ما يجدونه معه إلا ما كان لا يستغني عنه وهو المنزل وستر العورة وما يقيه البرد ويسد رمقه ومن يعول ومن وجد ماله عنده بعينه فهو أحق به وإذا نقص مال المفلس عن الوفاء بجميع دينه كان الموجود أسوة الغرماء وإذا تبين إفلاسه فلا يجوز حبسه وليُّ الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته ويجوز للحاكم أن يحجره عن التصرف في ماله ويبيعه لقضاء دينه وكذا يجوز له الحجر على المبذر ومن لا يحسن التصرف ولا يمكن اليتيم من التصرف في ماله حتى يؤنس منه الرشد ويجوز لوليه أن يأكل من ماله بالمعروف.
أقول: أما كونه يجوز لأهل الدين أن يأخذوا جميع ما يجدونه مع مفلس فلحديث أبي سعيد عند مسلم رحمه الله وغيره قال: أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال: "تصدقوا عليه" فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه: "خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك" وأخرج الدارقطني والبيهقي والحاكم وصححه من حديث كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ ماله وباعه في دين كان عليه وأخرج سعيد ابن منصور وأبو داود وعبد الرزاق من حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك مرسلا قال: كان معاذ بن جبل شابا سخيا وكان لا يمسك شيئا فلم يزل يدان حتى أغرق ماله كله في الدين فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه ليكلم غرماءه فلو تركوا لأحد لتركوا لمعاذ لأجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فباع رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ماله حتى قام معاذ بغير شيء" قال عبد الحق: المرسل أصح وقال ابن الطلاع في الأحكام هو حديث ثابت فأفاد ما ذكرناه أن أهل الدين يأخذون جميع ما يجدونه مع المفلس لكنه لم يثبت أنهم أخذوا ثيابه التي عليه أو أخرجوه من منزله أو تركوه هو ومن يعول لا يجدون ما لا بد لهم منه ولهذا ذكرنا أنه يستثنى له ذلك.