أقول: أما وقوعه بالكناية فلحديث عائشة عند البخاري وغيره أن ابنة الجون لما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك قال: لها " لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك" وفي الصحيحين وغيرهما في حديث تخلف كعب بن مالك "لما قيل له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك فقال: أطلقها أم ماذا أفعل قال: بل اعتزلها فلا تقربها فقال: لامرأته الحقي بأهلك" فأفاد الحديثان أن هذه اللفظة تكون طلاقا مع القصد ولا تكون طلاقا مع عدمه.
وأما كون الطلاق يقع بالتخيير فلقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا}[الأحزاب:٢٨] الآية {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ}[الأحزاب:٢٩] الآية وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لما نزلت الآية فخيرهن" وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عائشة قالت: "خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعدها شيئا" وفي المسألة خلاف وهذا هو الحق وبه قال: الجمهور.
وأما كونه إذا جعله الزوج إلى غيره وقع منه فلأنه توكيل بالايقاع وقد تقرر جواز التوكيل من غير فرق بين الطلاق وغيره فلا يخرج من ذلك إلا ما أخصه دليل وسئل أبو هريرة وابن عباس وعمرو بن العاص عن رجل جعل أمر امرأته بيد أبيه فأجازوا طلاقه كما أخرجه أبو بكر البرقاني في كتابه المخرج على الصحيحين.
وأما كونه لا يقع بالتحريم فلما في الصحيحين عن ابن عباس قال: إذا حرم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ} وأخرج عنه النسائي أنه أتاه رجل فقال: إني جعلت امرأتي علي حراما فقال: كذبت ليست عليك بحرام ثم تلا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}[التحريم:١] عليك أغلظ الكفارة عتق رقبة".