أقفرَ من ريطةَ جنبا منى ... فالجزعُ من مكةَ فالساحلُ
ألاَّ رسوماً قد عفا آيها ... معروفها ملتبدٌ ناحلُ
كأنَّ دارَ الحيِّ لما خلت ... غربلَ أعلى تربها ناخلُ
من نسجِ ريحٍ درجت فوقها ... جالَ عليها تربها الجائلُ
بينَ جنوبٍ وصباً تغتدي ... طاوعها ذو لجبٍ هاطلُ
كأنما الوحشُ بها خلفةً ... بعدَ الأنيسِ النعمُ الهاملُ
وقد أراها وبها سامرٌ ... منهم وجردُ الخيلِ والجاملُ
تغيرت ريطةُ عن عهدنا ... وغالَ ودي بعدها غائلُ
وكلُّ دنيا ونعيمٍ لها ... منكشفٌ عن أهلهِ زائلُ
لا والذي يهوى إلى بيته ... من كلِّ فجِّ محرمٌ ناحلُ
ما لي من علمٍ بها باطنٍ ... وقد براني حبها الداخلُ
هل يبلغني دارها إن نأت ... أغلبُ خطارُ السرى ذائلُ
ناجٍ ترى المرفقَ عن زوره ... كأنما يفتلهُ فاتلُ
يا ريطَ يا ريطَ ألم تخبري ... عنا وقد يحمدنا السائلُ
والجارُ والمختبطُ المعتفي ... معروفنا والآخرُ النازلُ
إن تسألي عنا يقل سادةٌ ... فيهم حلومٌ وندىً فاضلُ
نهينُ للضيفانِ شحمَ الذرى ... فمنهمُ الواردُ والناهلُ
نحنُ بنو الشداخِ لم يعلهم ... حافٍ من الناسِ ولا ناعلُ
تناذرَ الأعداءُ إيقاعنا ... فارسهم والآخرُ الراجلُ
خيولنا بالسهلِ مشطونةً ... مثلُ السعالى والقنا الذابلُ
نعدها إن كادنا معشرٌ ... أو نزلت حربٌ بنا حائلُ
في كلِّ ملتفٍّ لفرسانها ... منهم عقيرٌ وفتىً مائلُ
يعدونَ بالأبطالِ نحوَ الوغى ... وهمهنَّ الشرفُ القابلُ
عوجٌ عناجيجُ تباري الوغى ... مثلُ المغالي لحمها ذابلُ
يخرجنَ من أكدرَ معصوصبٍ ... وردَ القطا يحفزها الوابلُ
بكلِّ كهلٍ وفتى نجدةٍ ... يصدُّ عنهُ البطلُ الباسلُ
يروي بكفيهِ غداةَ الوغى ... صدرَ سنانِ الرمحِ والعاملُ
أروعُ واري الزندِ ذو مرةٍ ... تشقى بهِ المتليةُ البازلُ
تم المختار من شعر المتوكل الليثي واخترن أكثر شعره.
[عروة بن الورد]
قال عروة بن الورد بن زيد بن ناشب بن هدم بن لدم بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس، وكان يقال له عروة الصعاليك في امرأته أم وهب وكان أزارها أهلها في بني كنانة، فسقوه الخمر حتى سكر، ثم طلبوا إليه أن يخلي سبيلها فخلى سبيلها. وكانت له كارهة لأنه كان يغيب عنها الدهر في غاراته ومغازيه، فلما صحا وعرف ما صنع به ندم، وقال:
أرقتُ وصحبتي بمضيقِ عمقٍ ... لبرقٍ من تهامةَ مستطيرِ
تكشفَ عائذٍ بلقاءَ تنفي ... ذكورَ الخيلِ عن ولدٍ صغيرِ
إذا قلتُ استهلَّ على قديدٍ ... يحورُ ربابه حورَ الكسيرِ
سقى سلمى وأينَ محلُّ سلمى ... إذا حلت مجاورةَ السريرِ
إذا حلت بأرضِ بني عليٍّ ... وأهلي بينَ إمرةٍ وكيرِ
ذكرتُ منازلاً من أمِّ وهبٍ ... محلَّ الحيِّ أسفلَ ذي النقيرِ
وأحدثُ معهدٍ من أمِّ عمرو ... معرسنا فويقَ بني النضيرِ
فقالت ما تريدُ فقلتُ ألهو ... إلى الإصباحِ آثرَ ذي آثيرِ
بآنسةِ الحديثِ رضابُ فيها ... بعيدَ النومِ كالعنبِ العصيرِ
أطعتُ الآمرينَ بصرمِ سلمى ... فطاروا في بلادِ اليستعورِ
سقوني الخمرَ ثمَّ تكنفوني ... عداةُ اللهِ من كذبٍ وزورِ
وقالوا لستَ بعدَ فداءِ سلمى ... بمغنٍ ما لديكَ ولا فقيرِ
فلا وأبيكَ لا كاليومِ أمري ... ومن لكَ بالتدبرِ في الأمورِ
إذن لملكتُ عصمةَ أمِّ وهبٍ ... على ما كانَ من حسكِ الصدورِ
فيا للناسِ كيفَ ألومُ نفسي ... على شيءٍ ويكرههُ ضميري
ألا يا ليتني عاصيتُ طلقاً ... وجباراً ومن لي من أميرِ
وقال عروة بن الورد وكانت امرأته نهته عن الغزو:
أقلي عليَّ اللومَ يا ابنةَ منذرِ ... ونامي فإن لم تشتهي ذاكَ فاسهري
ذريني ونفسي أمَّ حسانَ إنني ... بها قبلَ أن لا أملكَ البيعَ مشتري
أحاديثَ تبقى والفتى غيرُ خالدٍ ... إذا هو أمسى هامةً فوقَ صيرِ