وقدْ كانَ مجذاماً إلى الحربِ ركضهُ ... سريعاً إلى الداعِي إذا هو أفزعا
ويوماً إذا ما كظكَ الخصمُ إن يكنُ ... نصيركَ منهمْ لا تكنْ أنتَ أضيعا
وإنْ تلقهُ في الشربِ لا تلقَ فاحشاً ... على الكأسِ ذا قاذورةٍ متزبعا
وإنْ ضرَّسَ الغزوُ الرجالَ رأيتهُ ... أخا الحربِ صدقاً في الرجالِ سميدَعا
وما كانَ وقافاً إذا الخيلُ أحجمتْ ... ولا طائشاً عندَ اللقاءِ مدفعا
ولا بكهامٍ بزُّهُ عنْ عدوِّهِ ... إذا هوَ لاقى حاسراً أو مقنعا
فعينيَّ هلْ لا تبكيانِ لمالكٍ ... إذا أذرتِ الريحُ الكنيفَ المرفعا
وللشربِ فابْكِي مالكاً ولبهمةٍ ... شديدٍ نواحيهِ على منْ تشجعا
وللضيفِ إنْ أرْغَى طروقاً بعيرَهُ ... وعانٍ ثوى في القدِّ حتى تكنعا
وأرملَةٍ تسعى بأشعثَ محثَلٍ ... كفرخِ الحبارَى رأسُهُ قدْ تصوَّعا
أبَى الصبْرَ آياتٌ أراها وإنني ... أرى كلَّ حبلٍ بعدَ حبلكَ أقطعا
وإني متَى ما أدْعُ باسمِكَ لا تجبْ ... وكنتَ جديراً أنْ تجيبَ وتسمعا
وكنّا كندْمانَيْ جذيمةً حقبةً ... منَ الدهرِ حتى قيلَ لنْ يتصدَّعا
وعشنا بخيرٍ في الحياةِ وقبلنا ... أصابَ المنايا رَهطَ كِسْرَى وتبعا
فلما تفرَّقْنا كأنِّي ومالكاً ... لطولِ اجتماعٍ لمْ نبتْ ليلةً معا
فإنْ تكنِ الأيامُ فرقْنَ بينَنا ... فقدْ بانَ محموداً أخِي حينَ ودَّعا
أقولُ وقدْ طارَ السَّنا في ربابهِ ... وجونٌ يسحُّ الماءَ حتى تريعا
سقى اللهُ أرضاً حلها قبرُ مالكٍ ... ذهابَ الغوادِي المدجناتِ فأمرَعا
فأثرَ سيلَ الواديَيْنِ بديمةٍ ... ترشَّحُ وسْمياً من النبتِ خروعا
فمجتمعُ الأشراجِ منْ حولِ شارِعٍ ... فروى جنابَ القريتينِ فضلفعا
تحيتهُ منِّي وإنْ كانَ نائياً ... وأمسَى تراباً فوقَهُ الأرضُ بلقعا
تقولُ ابنةُ العمريِّ مالكَ بعدما ... أراكَ قديماً ناعِمَ البالِ أفرَعا
فقلتُ لها طولُ الأسَى إذْ سألتِنِي ... بلوعَةِ حزنٍ تتركُ الوجهَ أسفعا
وفقدُ بنِي أمِّ توالوا فلمْ أكُنْ ... خلافهمُ أنْ أستكينَ وأخشَعا
وإنِّي وإنْ هازلْتِنِي قدْ أصابَنِي ... منَ الرزءِ ما يُبْكِي الحزِينَ المفجعا
ولستُ إذا ما أحدَثَ الدَّهْرُ نكبةً ... ورزءاً بزوارِ القرائبِ أخضعا
ولا فرحاً إنْ كنتُ يوماً بغبطةٍ ... ولا جزعاً إنْ نابَ دهرٌ فأضلَعا
ولكننِي أمضي على ذاكَ مقدماً ... إذا بعضُ من يلْقَى الخطوبَ تكعكعا
وغيرنِي ما غالَ قيساً ومالِكاً ... وعمراً وجزءاً بالمشقرِ ألمعا
وما غالَ ندمانيْ يزيدَ وليتني ... تمليتهمْ بالأهلِ والمالِ أجمعا
قعيدَكِ أنْ لا تُسْمِعِينِي ملامَةً ... ولا تنكئِي قرحَ الفؤادِ فييجعا
وقصركِ إنِّي قدْ جهدتُ فلمْ أجدْ ... بكفيَ عنهمْ للمنيةِ مدفَعا
فلوْ أنَّ ما ألقَى يصبُ متالعاً ... أو الركنَ من سلمَى إذَنْ لتضعضعا
وما وجدُ أظآرٍ ثلاثٍ روائمٍ ... رأينَ مجرّاً من حوارٍ ومصرَعا
يذكرِنَ ذا البثِّ الحزينِ حنينهُ ... إذا حنتِ الأولَى سجعنَ لها معا
إذا شارفٌ منهنَّ قامتْ فرجعتْ ... حنيناً فأبكى شجوها البركَ أجمعا
بأوجدَ مني يومَ فارقتُ مالكاً ... وقامَ بهِ الناعي الرفيعُ فأسمعا
ألمْ يأتِ أنباءُ المحلِّ سراتكمْ ... فيغضبَ منكمُ كلُّ من كانَ موجعا
بمشمتهِ إنْ صادفَ الحرْبُ مالكاً ... ومشهدهِ ما قد رأى من تمنعا
أآثرتَ هدماً بالياً وسويَّةً ... وجئتَ بهِ تسعى بشيراً مقزَّعا
فلا تفرحنْ يوماً بنفسِكَ إنني ... أرى الموتَ طلاعاً على من توقعا
لعلكَ يوماً أنْ تلِمَّ ملمةٌ ... عليكَ من اللائي يدعنكَ أجدَعا
نعيتَ امرءاً لوْ كانَ لحمُكَ عندهُ ... لواراهُ مجموعاً لهُ أو ممزَّعا
آخر المختار من شعر متممٍ
[كعب الغنوي]
وقال كعب بن سعد الغنوي، يرثي أخاه شبيباً: الطويل