وقالتْ تعلَّمْ أنَّ ما قلتَ باطلٌ ... أيادي سبا منهنَّ إن كنتَ تمزحُ
وحولي نساءٌ إن ذكرتَ بريبةٍ ... شمتنَ وما منهنَّ إلاّ سيفرحُ
ووالله ما يدري جميلُ بن معمرٍ ... أليلى بقوٍّ أم بثينةُ أنزحُ
وكلتاهما أمستْ ومن دونِ أهلها ... لعوجِ المطايا والقصائدِ مسبحُ
أمنْ أجلِ أن عجنا قليلاً ولم نقلْ ... لليلى كلاماً لا أبا لك تكْلحُ
فمتْ كمداً أو عشْ ذميماً فإنَّها ... جيوبٌ لليلى تحفظُ الغيبَ نصَّحُ
سلوا الواجدينَ المخبرينَ عن الهوى ... وذو البثِّ أحياناً يبوحُ فيصرحُ
أتقرحُ أكبادُ المحبِّينَ كالذي ... أرى كبدي من حبِّ بثنةَ يقرحُ
فوالله ثمَّ الله إنِّي لصادقٌ ... لذكركِ في قلبي ألذُّ وأملحُ
من النّسوةِ السُّودِ اللَّواتي أمرْنني ... بصرمكِ إنِّي من ورائكَ منفحُ
لقد قلنَ ما لا ينبغي أن يقلنهُ ... وينضحنَ جلداً لم يكن فيكَ ينضحُ
بكى بعلُ ليلى أن رأى القومَ عرَّجوا ... صدورَ المطايا وهي في السَّيرِ جنَّحُ
ووالله ما أدري أصرمٌ تريدهُ ... بثينةُ أم كانتْ بذلكَ تمزحُ
عشيَّةَ قالتْ لا يكنْ لكَ حاجةٌ ... رأيتكَ تأسو باللّسانِ وتجرحُ
فقلتُ أصرمٌ أم دلالٌ وإنْ يكنْ ... دلالٌ فهذا منكِ شيءٌ مملَّحُ
إليَّ وإنْ حاولتِ صرمي وهجرتي ... فما قبلي منْ جانبِ الأرضِ أفسحُ
ألمْ تعلمي وجدي إذا شطَّتِ النَّوى ... وكنتُ إذا تدنو بك الدَّارُ أفرحُ
فإنِّي عرضتُ الودَّ حتَّى رددتهِ ... وحتّى لحى فيكِ الصَّديقُ وكشَّحُ
فأشمتِّ أعدائي ووسيءَ بما رأى ... صديقي ولا في مرجعٍ كنتُ أكدحُ
فهلاَّ سألتِ الرَّكبَ حينَ يلفُّني ... وإيَّاهمُ خرقٌ من الأرضِ أفيحُ
أَأُكرمُ أصحابي وأبذلُ ذا يدي ... وأعرضُ عن جهلِ الصَّديقِ وأصفحُ
وأُكثرُ قولاً والحبيبِ موكَّلٌ ... سقى أهلَ جملٍ حيثُ أمسوا وأصبحوا
أجشُّ هزيمُ الرَّعدِ دانٍ ربابهُ ... له هيدبٌ جمُّ العثاثينَ رجَّحُ
ذكرتكِ يومَ النَّحرِ يا بثنُ ذكرةً ... على قرنٍ والعيسُ بالقومِ جنَّحُ
عواطفَ بالعينِ بينَ مسرَّةٍ ... لقاحاً وأُخرى حائلٍ تتلقَّحُ
دهنَّ بأسقاطِ اللُّغامِ كأنَّهُ ... إذا قطَّعتهُ الرِّيحُ قزٌّ مسرَّحُ
ويومَ وردْنا قرحَ هاجتْ ليَ البكا ... من الورقِ حمَّاءُ العلاطينِ تصدحُ
ويومَ وردْنا الحجرَ يا بثنُ عادَني ... لكِ الشَّوقُ حتَّى كدتُ باسمكِ أُفصحُ
وليلةَ بتْنا بالجنينةِ هاجَني ... سنا بارقٍ منْ نحوِ أرضكِ يلمحُ
فعدتُ لهُ والقومُ صرعى كأنَّهمْ ... لدى العيسِ بالأكوارِ خشبٌ مطرَّحُ
أراقبهُ حتَّى بدا متبلِّجٌ ... منَ الصُّبحِ مشهورٌ وما كدتُ أُصبحُ
وليلةَ بتْنا ذاتَ حاجٍ ذكرتكمْ ... هدواً وقدْ نامَ الخليُّ المصحَّحُ
وبتُّ كئيباً لادِّكاري وصحبَتي ... على مشرعٍ فانهلَّتِ العينُ تسفحُ
ويومَ معانٍ قالَ لي فعصيتهُ ... أفقْ عنْ بثينَ الكاشحُ المتنصِّحُ
ويومَ نزلْنا بالحبالِ عشيةً ... وقد حُبستْ فينا الشَّراةُ وأذرحُ
ذكرتكمُ فانهلَّتْ العينُ إنَّها ... إذا لمْ يكنْ صبرٌ أخفُّ وأروحُ
وليلةَ عرَّسنا بأوديةِ الغضا ... ذكرتكِ إنَّ الحبَّ داءٌ مبرِّحُ
ويومَ تبوكٍ كدتُ منْ شدَّةِ الأسى ... عليكِ بما أُخفي منَ الوجدِ أصرحُ
[سلمة بن الخرشب]
وقال سلمة بن الخرشب الأنماري في يوم الرَّقم، والرّقم موضع، وهي مفضلية:
إذا ما غدوتمْ لأرضِنا ... بني عامرٍ فاسْتظهروا بالمرائرِ
فإنَّ بني ذبيانَ حيثُ علمتمُ ... بجزعِ البتيلِ بينَ بادٍ وحاضرِ
يسدُّونَ أبوابَ القبابِ بضمَّرٍ ... إلى عننٍ مستوثقاتِ الأواصرِ
فأمسَوا حلالاً ما يفرِّقُ بينهمْ ... على كلِّ ماءٍ بين فيدَ وساجرِ
وأصعدتِ الحطَّابُ حينَ تقاربوا ... على خشبِ الطَّرفاءِ فوقَ العواقرِ
نجوتَ بنصلِ السَّيفِ لا غمدَ فوقهُ ... وسرجٍ على ظهرِ الرِّحالةِ قاترِ