ولو جُليتْ ليلى على اللَّيلِ مظلماً ... لجلَّتْ ظلامَ اللَّيلِ ليلى فأقمرا
إذا ما جعلْنا منْ سنامٍ مناكباً ... وركناً منَ البقّارِ دونكِ أعفَرا
فقدْ جدَّ جدُّ الهجرِ يا ليلَ بينَنا ... وشحْط النَّوى إلاَّ الهوى والتَّذكُّرا
وكمْ دونَ ليلى بلدةً مسبطرَّةً ... تقودُ فلاها العيسَ حتَّى تحسَّرا
تنفَّذتُ حضنَيها بأمرٍ منضَّخٍ ... وخطّارةٍ تُشري الزِّمامَ المزرَّرا
كأنَّ بذفْراها وبلدةِ زورِها ... إذا نجدتْ نضخَ الكحيلِ المقيَّرا
كأنَّ لها في السَّيرِ لهواً تلذُّهُ ... إذا افترشتْ خبتاً منَ الأرضِ أغبَرا
خبوبُ السُّرى عيرانةٌ أرحبيَّةٌ ... عسوفٌ إذا قرنُ النَّهارِ تدبَّرا
تليحُ بريَّانِ العسيبِ كأنَّهُ ... عثاكيلُ قنوٍ منْ سميحةَ أيسَرا
تسدُّ بهِ طوراً خوايةَ فرجِها ... وطوراً إذا شالتْ تراهُ مشمِّرا
فأجمعتْ جدّاً يا بنَ زيدِ بنِ مالكٍ ... بما كنتَ أحياناً إلى اللَّهوِ أصوَرا
أفاقَ وجلَّى عنْ وقارٍ مشيبهُ ... وأجلى غطاءُ الدَّهرِ عنهُ فأبصَرا
وكنتَ امرءاً منكَ الأناةُ خليقةً ... وشهماً إذا سيمَ الدَّنيَّةَ أنكَرا
أناةَ امرئٍ يأتي الأمورَ بقدرةٍ ... متى ما يردْ لا يعيَ منْ بعدُ مصدَرا
وقدْ غادرتْ منِّي الخطوبُ ابنَ حقبةٍ ... صبوراً على وقعِ الخطوب مذكّرا
إذا ما انتهى عِلمي تناهيتُ عندهُ ... أطالَ فأملَى أو تناهَى فأقصَرا
ولا أركبُ الأمرَ المدوِّيَ علمهُ ... بعميائهِ حتَّى أرونَ وأنظُرا
وما أنا كالعشواءِ تركبُ رأسَها ... وتبرزُ جنباً للمُعادينَ مصحِرا
ويخبرُني عنْ غائبِ الدَّهرِ هديهُ ... كفى الهديُ عمَّا غيَّبَ المرءُ مخبِرا
سبقتَ ابنَ زيدٍ كلَّ قومٍ بقدرةٍ ... فأنتَ الجوادُ جارياً ومغمّرا
هوَ الفيضُ وابنُ الفيضِ أبطأَ جريهُ ... إذا الخيلُ جاءتْ أنْ يجيءَ مصدّرا
وإنْ غلاماً كانَ وارثَ عامرٍ ... ووارثَ ربعيٍّ لأهلٌ ليفخَرا
بنو الصَّالحينَ الصَّالحونَ ومنْ يكنْ ... لآباءِ صدقٍ يلقَهمْ حيثُ سيَّرا
وما المرءُ إلاَّ ثابتٌ في أرومةٍ ... أبى منبتُ العيدانِ أن يتغيَّرا
وأعمامهُ يومَ الهباءةِ أطلقُوا ... أسارى ابنِ هندٍ يومَ تُهدى لقيصَرا
وهمْ رؤساءُ الجمعِ غيرَ تنحُّلٍ ... بثهمدَ إذْ هاجوا بهِ الحيَّ حضَّرا
دفعتُ وقد أعيا الرِّجالُ بدفعِها ... وأصبحَ منِّي مدرهُ القومِ أوجَرا
ومنَّا الذي للحمدِ أوقدَ نارهُ ... يرى ضوءها منْ يافعٍ مَن تنوَّرا
وآذنَ أنْ مَن جاءنا وهوَ خائفٌ ... فإنَّ لهُ مَن كانَ أنْ يتخفَّرا
إذا شاءَ أنْ يرعى معَ النَّاسِ آمناً ... لهُ السَّربُ لا يخشى من النَّاسِ معشَرا
هوَ العودُ إلاَّ ثابتٌ في أرومةٍ ... أبى صالحُ العيدانِ أنْ يتغيَّرا
أُولئكَ قومي كانَ يأمنُ جارهمْ ... ويُحرزُ مولاهمْ إذا السَّرحُ نفِّرا
إذا أبصرَ المولى بحيَّةِ مأزقٍ ... منَ الأرضِ يخشاها أهلَّ وأسفَرا
مطاعيمُ للأضيافِ في كلِّ شتوةٍ ... سِنينَ الرِّياحِ ترجعُ اللِّيطَ أغبَرا
إذا صارتِ الآفاقُ حمراً كأنَّما ... يجلِّلنَ بالنَّوءِ الملاءَ المعصفَرا
[هدبة بن الخشرم]
وقال هدبة بن الخشرم بن كرز بن حجير بن أسحم بن عامر يرد على زيادة:
تذكَّرتُ شجواً من شجاعةَ مُنصبا ... تليداً ومنتاباً منَ الشَّوقِ محلِبا
تذكَّرتُ حيّاً كانَ في ميعةِ الصِّبا ... ووجداً بها بعَد المشيبِ معقِّبا
إذا كانَ ينساها تردَّدَ حبُّها ... فيالكَ قدْ عنَّى الفؤادَ وعذَّبا
طنًى منْ هواها مستكنٌّ كأنَّهُ ... خليعُ قداحٍ لمْ يجدْ متنشَّبا
فأصبحَ باقي الودّ بيني وبينَها ... رجاءً على يأسٍ وظنّاً مغيّبا
ويومَ عرفتُ الدَّارَ منها ببيشةٍ ... فخلتُ طلولَ الدَّارِ في الأرضِ مذهبا
تبيَّنتُ منْ عهدِ العراصِ وأهلِها ... مرادَ جواري بالصَّفيحِ وملعبا