أو حرَّ فلفلةٍ كانت بها قذيت ... لما يرى قشرها عن حرها الباري
إنَّ الهمومَ إذا عادتكَ واردةً ... إن لم تفرج لها وردٌ بإصدارِ
كانت عليكَ سقاماً تستكينُ لهُ ... وأنصبتكَ لحاجاتٍ وإذكارِ
فصرتُ في السجنِ والحراسُ تحرسني ... بعدَ التلصصِ في برٍّ وأمصارِ
وسيرِ حرفٍ تجوبُ الليلَ جافلةً ... عومَ السفينةِ في ذي اللجةِ الجاري
يا نفسَ لا تجزعي إني إلى أمدٍ ... وكلُّ نفسٍ إلى يومٍ ومقدارِ
وما يقربُ يومي من مدى أملي ... فاقني حياءك ترحالي وتسياري
إني إلى أجلٍ إن كنتِ عالمةً ... إليهِ ما منتهى علمي وآثاري
للهِ أنتِ فإن يعصمكِ فاعتصمي ... وإن كذبتِ فحسبي اللهُ من جارِ
أدعيهِ سراً وناديهِ علانيةً ... واللهُ يعلمُ إعلاني وإسراري
وما السعادةُ في الدنيا لذي أملٍ ... إنَّ السعيدَ الذي ينجو من النارِ
سقياً لسجنك من سجنٍ وساكنهِ ... بديمةٍ من ذهابِ الماءِ مدرارِ
بكلِّ جونٍ رواياهُ مطبعةٌ ... واهي العزالي من الجوزاءِ جرارِ
وقد دعوتُ وما آلو لأسمعهُ ... أبا الوطيدِ ودوني سجنُ دوارِ
في جوفٍ ذي شرفاتٍ سدَّ مخرجهُ ... ببابِ ساجٍ أمينِ القفل صرارِ
أدعوهُ دعوةَ مظلومٍ لينصرني ... ثمَّ استغثتُ بذي نعمى وأخطارِ
أشكو إلى الخيرِ إبراهيم مظلمتي ... في غيرِ جرمٍ وإخراجي من الدارِ
الدهرَ أرسفُ في كبلٍ أعالجهُ ... وحلقةٍ قاربوا فيها بمسمارِ
أدورُ فيهِ نهاري ثمَّ منقلبي ... بالليلِ أدهمَ مزرورٌ بأزرارِ
كأنهُ بينَ أستارين قدهما ... سراةُ أورقَ مطليٌّ من القارِ
يا أقربَ الناسِ من حمدٍ ومكرمةٍ ... وأبعدَ الناسِ من ذمٍّ ومن عارِ
وأعظمَ الناسِ عفواً عندَ مقدرةٍ ... وليثَ غابٍ على أعدائهِ ضارِ
وردٌ هزبرٌ يميتُ القرنَ صولتهُ ... وضمهُ بين أنيابٍ وأظفارِ
أنعم عليَّ بنعمى منكَ سابغةٍ ... من سيبِ أروعَ نفاعٍ وضرارِ
أوفى اليمامةِ من يعلق بذمتهِ ... يأخذ يداهُ بحبلٍ غيرِ خوارِ
[طهمان بن عمرو]
وقال طهمان بن عمرو الكلابي وهو من اللصوص، وهي جيدة على ايطائه فيها:
سقى دار ليلى بالرقاشينِ مسبلٌ ... مهيبٌ بأعناقِ الغمام دفوقُ
أغرُّ سماكيٌّ كأنَّ ربابهُ ... بخاتيُّ صفت فوقهنَّ وسوقُ
كأنَّ سناهُ حينَ تقدعهُ الصبا ... وتلقحُ أخراهُ الجنوبَ حريقُ
وباتَ بحوضى والسبالِ كأنما ... ينشرُ ريطٌ بينهنَّ صفيقُ
وما بي عن ليلى سلوٌّ ومالها ... تلاقٍ كلانا النأيَ سوفَ يذوقُ
سقاكِ وأن أصبحتِ واهيةَ القوى ... شقائقَ عرضٍ ما لهنَّ فتوقُ
ولو أنَّ ليلى الحارثيةَ سلمت ... عليَّ مسجى في الثيابِ أسوقُ
حنوطي وأكفاني لديَّ معدةُ ... وللنفسِ من قربِ الوفاةِ شهيقُ
إذن لحسبتُ الموتَ يتركني لها ... ويفرجُ عني غمهُ وأفيقُ
ونبئتُ ليلى بالعراقِ مريضةً ... فماذا الذي تغني وأنتَ صديقُ
سقى اللهُ مرضى بالعراقِ فإنني ... على كلِّ شاكٍ بالعراقِ شفيقُ
وإني على لا ينزلُ الناسُ منزلاً ... تحميتِ من قلبي بهِ لحقيقُ
وإني لليلى بعدَ شيبِ مفارقي ... وبعدَ تحني أعظمى لصديقُ
وإني من أن يلغى بكِ القومُ بينهم ... أحاديثَ أجنيها عليكِ شفيقُ
لعلكَ بعدَ السجنِ والقيدِ أن ترى ... تمرُّ على ليلى وأنتَ طليقُ
طليقُ الذي نجا من الكربِ بعدما ... تلاحمَ من دربٍ عليكَ مضيقُ
وقد جعلت أخلاقُ قومكِ إنها ... من الزهدِ أحياناً عليكِ تضيقُ
ألا طرقت ليلى على نأي دارها ... وليلى على شحطِ المزارِ طروقُ
أسيراً يعضُّ القيدُ ساقيةِ فيهما ... من الحلقِ السمرِ اللطافِ وثيقُ
وكم دونَ ليلى من تنايفَ بيضها ... صحيحٌ بمدحي أمهِ وفليقُ
ومن ناشطٍ ذبِّ الريادِ كأنهُ ... إذا راحَ من بردِ الكناسِ فنيقُ
يثيرُ الرخامى بالعشيِّ كأنما ... على وجههِ مما يثيرُ دقيقُ