فقالتْ لها قولِي ألستَ بزائرٍ ... بلادِي وإنْ قلّتْ هناكَ المعارفُ
كما لو ملكنْا أنْ نزورَ بلادكُمْ ... فعلْنا ولمْ يكبُرْ علينا التَّكاليفُ
فقلتُ لها قولِي لها قلَّ عندَنا ... لها جشمُ الظّلماءِ فيما يصادفُ
ونصِّي إليكِ العيسَ شاكيةَ الوَجا ... مناسِمها ممّا تلاقي رواعِفُ
براهنَّ نصِّي والتَّهجُّرُ كلَّما ... توقَّدَ مسمومٌ من اليومِ صائفُ
تحسَّرُ عنهنَّ العرائكُ بعدَما ... بدأنَ وهنَّ المفقراتُ العلائفُ
وإنّي زعيمٌ أنْ تقرِّبَ فتيَةٌ ... إليكِ معيداتُ السِّفارِ عواطفُ
وقال عمر أيضاً:
جرى ناصحٌ بالودِّ بينِي وبينَها ... فقرَّ بني يومَ الحصابِ إلى قتلِي
فطارتْ بحدٍّ من فؤادِي ونازعتْ ... قرينتَها حبلَ الصّفاءِ إلى حبلِي
فما أنسَ ملأشياءِ لا أنسَ موقفِي ... وموقفَها وهناً بقارعةٍ النخلِ
فلمّا تواقفنا عرفتُ الذي بها ... كمثلِ الّذي بي حذوكَ النعلَ بالنعلِ
فقلنَ لها هذا عشاءٌ وأهلُنا ... قريبٌ ألمّا تسأمِي مركبَ البغلِ
فقالتْ فما تهوينَ قلنَ لها انزلِي ... فللأرضُ خيرٌ من وقوفٍ على رجلِ
وقمنَ إليها كالدُّمَى فاكتنفنها ... وكلٌّ يفدِّي بالمودَّةِ لا يؤلِي
نجومٌ دراريُّ تكنَّفنَ صورةً ... من البدرِ وافتْ غيرُ هوجٍ ولا خجلِ
فسلّمتُ وأستأنستُ خيفةَ أنْ يرى ... عدوٌّ مكاني أو يرى كاشحٌ فعلِي
فقالتْ وأرختْ جانبَ السِّترِ إنَّما ... معِي فتحدَّثْ غيرَ ذي رقبةٍ أهلِي
فقلْتُ لها ما بي لهمْ من ترقّبٍ ... ولكن سرِّي ليس يحمله مثلي
فلمّا اقتصَرْنا دونهنَّ حديثنا ... وهنَّ طبيباتٌ بحاجةِ ذي الشَّكْلِ
عرفنَ الذي نهوَى فقُلْنَ لها ائذني ... نطفْ ساعةً في طيبِ رملٍ وفي سهلِ
فقالتْ فلا تلبثنَ قلنَ تحدَّثي ... بلغناكِ واستجمعنَ مورَ مها الرَّملِ
فقمنَ وقدْ أفهمنَ ذا اللُّبِّ إنَّما ... فعلنَ الذي يفعلنَ من ذاكَ من أجلِي
[جرير بن عطية]
قال جرير بن عطيّة بن الخطفى، وهو حذيقة بن بدر بن سلمه بن عوف بن كليب بن يربوع بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم يهجو عمرَ بن لجأ التيمي من تيم الرّباب، وقرأتُها على شيخي أبي محمّد بن الخشّاب حفظاً في جملةِ ديوان جرير، وقيلَ: خيرُ شعره:
حيِّ الهدملةَ من ذاتِ المواعيسِ ... فالحنوَ أصبحَ قفراً غيرَ مأنوسِ
بينَ المخيصرِ والعزّافِ منزلةٌ ... كالوحِي من عهدِ موسَى في القراطيسِ
حيِّ الدِّيارَ التي شبَّهتُها خللاً ... أو منهجاً من يمانٍ محَّ ملبُوسِ
لا وصلَ إذ صرمتْ هندٌ ولو وقفتْ ... لاستفتنتني وذا المسحينِ في القوسِ
لو لمْ تردْ قتلَنا جادتْ بمطرفٍ ... ممّا يخالطُ حبَّ القلبِ منفوسِ
قدْ كنتِ خدناً لنا يا هندُ فاعتبري ... ما غالكِ اليومَ من شيبي وتقويسي
لمّا تذكّرتُ بالديرينِ أرَّقني ... صوتُ الدَّجاجِ وقرعٌ بالنَّواقيسِ
فقلتُ للرّكبِ إذ جدَّ المسيرُ بنا ... يا بعدَ يبرينَ منْ بابِ الفراديسِ
علَّ الهوى من بعيدٍ أنْ تقرّبَهُ ... أمُّ النُّجومِ ومرُّ القومِ بالعيسِ
لو قدْ علونَ سماوياً مواردُهُ ... من نحوِ دومةِ خبتٍ قلَّ تعريسِي
هل دعوةٌ منْ جبالِ الثلجِ مسمعةٌ ... أهلَ الإيادِ وحيّاً بالنَّباريسِ
إنّي إذا الشّاعرُ المغرورُ حرَّبنِي ... جارٌ لقبرٍ على مرّانَ مرموسِ
قدْ كانَ أشوسَ أبّاءً فأورثنا ... شغباً على النَّاسِ في أبنائه الشُّوس
تحمِي ونغتصبُ الجبّارُ نجنُبُهُ ... في محصدٍ من حبالِ القدِّ محموسِ
يخزَى الوشيظُ إذا قالَ الصّميمُ لهمْ ... عدُّوا الحصى ثمَّ قيسُوا بالمقاييس
لا يستطيعُ امتناعاً فقعُ قرقرةٍ ... بينَ الطَّريقينِ بالبيدِ الأمالِيسِ
وابنُ اللّبون إذا ما لزَّ في قرنٍ ... لم يستطِعْ صولةَ البزلِ القناعيسِ
إنّا إذا معشرٌ كشَّتْ بكارتُهمْ ... صلنا بأصيدَ سامٍ غيرِ معكوسِ