للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تقولُ سليمى ما لجسمكَ شاحباً ... كأنكَ يحميكَ الشرابَ طبيبُ

تتابعُ أحداثٍ تخرَّمْنَ إخوتِي ... وشيبنَ رأسِي والخطوبُ تشيبُ

لعمرِي لئنْ كانتْ أصابتْ مصيبةٌ ... أخي والمنايا للرجالِ شعوبُ

لقدْ كانَ أمّا حلْمُهُ فمرَوَّحٌ ... علينا وأمّا جهلُهُ فعزيبُ

حليمٌ إذا ما سورةُ الجهلِ أطلَقَتْ ... حبا الشيبِ للنفسِ اللجوجِ غلوبُ

أخِي ما أخِي لا فاحشٌ عندَ بيتهِ ... ولا ورَعٌ عندَ اللقاءِ هيوبُ

هوَ العسلُ الماذِيُّ حلماً ونائلاً ... وليثُ إذا يلْقَى العدُوَّ غضوبُ

أخو شتواتٍ يعلمُ القومُ أنهُ ... سيكثرُ ما في قدرِهِ ويطيبُ

حبيبٌ إلى الزُّوّارِ غشيانُ بيتهِ ... جميلُ المحيا شبَّ وهوَ أديبُ

هوتْ أمهُ ما يبعثُ الصبحُ غادياً ... وماذا يؤذِّي الليلُ حينَ يؤوبُ

هوتْ عرسُهُ ماذا تضمنَ قبرُهُ ... منَ المجدِ والمعروفِ حينَ يثيبُ

إذا ما تراءتْهُ الرِّجالُ تحفظُوا ... فلمْ تنطَقِ العوراءُ وهوَ قريبُ

فتًى لا يبالِي أن يكونَ بجسمهِ ... إذا نالَ خلاتِ الكرامِ شحوبُ

حليفُ الندَى يدعُو الندَى فيجيبهُ ... قريباً ويدعوهُ الندَى فيجيبُ

فتًى أريحِيٌّ كانَ يهتزُّ للندَى ... كما اهتزَّ مِن ماءِ الحدِيدِ قضيبُ

كعالِيَةِ الرمْحِ الرُّدَيْنِيِّ لمْ يكنْ ... إذا ابتدَرَ الخيرَ الرجالُ يخيبُ

مفيدٌ ملقِّي الفائداتِ معاوِدٌ ... لفِعْلِ النَّدَى للمكرُماتِ كسُوبُ

كسُوبُ خلالِ الخيرِ من كلِّ جانبٍ ... إذا جاءَ جياءٌ بهنَّ ذَهوبُ

ترى عرصاتِ الحيِّ تُمْسِي كأنَّها ... إذا غابَ لَمْ يحلُلْ بهنَّ عريبُ

وحدثتُماني إنما الموتُ في القرَى ... فكيفَ وهانا هضبةٌ وكثيبُ

وماءُ سَماءٍ كانَ غيرَ محمةٍ ... ببريةٍ تجرِي عليهِ جنوبُ

فلو كان ميتٌ يفتدَى لافتديْتُهُ ... بما لمْ تكنْ عنهُ النفوسُ تطيبُ

بعينيَّ أو يُمْنَى يَدَيَّ وقيلَ لِي ... هوَ الغانِمُ الجذلانُ حينَ يؤوبُ

وداعٍ دَعا هلْ منْ يجيبُ إلى الندَى ... فلمْ يستجبهُ عندَ ذاكَ مجيبُ

فقلتُ ادعُ أخَرى وارفعِ الصوتَ دعوةً ... لعلَّ أبا المغوارِ منكَ قريبُ

يجبكَ كما قدْ كانَ يفعلُ إنَّهُ ... بأمثالِها رحبُ الذراعِ أريبُ

أتاكَ سريعاً واستجابَ إلى الندَى ... كذلكَ قبلَ اليومِ كانَ يجيبُ

يبيتُ الندَى يا أمَّ عمرو ضجيعهُ ... إذا لمْ يكنْ في المنقياتِ حلوبُ

فعشنا بخيرٍ حقبةً ثُمَّ جلحَتْ ... علينا التي كلَّ الرجالِ تصيبُ

فأبقتْ قليلاً فانياً وتجهزتْ ... لآخرَ والراجِي الحياةَ كذوبُ

وأعلَمُ أنَّ الباقِيَ الحيَّ منهُما ... إلى أجلٍ أقْصَى مداهُ قريبُ

ليبكِكَ شيخٌ لمْ يجدْ من يعينهُ ... وطاوِي الحشا نائِي المزارِ غريبُ

تروحَ تزهاهُ صباً مستطيفةٌ ... بكلِّ ذُرى والمسترادُ جديبُ

كأنَّ أبا المغوارِ لمْ يوفِ مرقبَاً ... إذا ربأَ القومَ الغزاةَ رقيبُ

ولمْ يدعُ فتياناً كراماً لميسرٍ ... إذا اشتدَّ من ريحِ الشتاءِ هبوبُ

فإنْ غابَ منهمْ غائبٌ أو تخاذَلُوا ... كفى ذاكَ وضاحُ الجبينِ خصيبُ

لقدْ أفسدَ الموتُ الحياةَ وقدْ أتى ... على يومهِ علقٌ إليَّ حبيبُ

فإنْ تكنِ الأيامُ أحْسَنَّ مرةً ... إليَّ فقدْ عادتْ لهنَّ ذنوبُ

أتى دونَ حلوِ العيشِ حتى أمرَهُ ... نكوبٌ على آثارِهِنَّ نكوبُ

ليبككَ أرماحٌ شهدنَ الوغَى ... ضحًى فأبنَ ولمْ تخضبْ لهنَّ كعوبُ

وإنِّي لباكيهِ وإنِّي لصادقٌ ... عليهِ وبعضُ القائلينَ كذوبُ

لعمرُكُما إنَّ البعيدَ الذي مضَى ... وإنَّ الذي يأتِي غداً لقريبُ

ألا هلْ أتَى أهلَ المقانِبِ إنَّهُ ... أقامَ وعرَّى الناجياتِ شبيبُ

فتَى الحربِ إنْ حارَبْتَ كانَ سمامَها ... وفي السفرِ مفضالُ اليدينِ وهوبُ

إذا ذرَّ قرنُ الشمسِ عللْتُ بالأسَى ... ويأوِي إليَّ الحزنُ حينَ تغيبُ

الشنفرى

<<  <   >  >>