يئينَ على الرِّحالِ وقدْ ترامتْ ... لأيدي العيسِ مهلكةٌ قفارُ
كأنَّ أواسطَ الأكوارِ فينا ... بنونَ لنا نلاعبهمْ صغارُ
فليسَ لنظرَتي ذنبٌ ولكنْ ... سقَى أمثالَ نظرتيَ الدِّرارُ
يكادُ القلبُ من طربٍ إليهمْ ... ومن طولِ الصَّبابةِ يُستطارُ
يظلُّ مجنِّبُ الكنفَيْنِ تهفو ... هفوَّ الصَّقرِ أمسكهُ الإسارُ
وفي الحيِّ الذينَ رأيتَ خودٌ ... شموسُ الأُنسِ آنسةٌ نوارُ
برودُ العارضينِ كأنَّ فاها ... بُعيدَ النَّومِ عاتقةٌ عقارُ
إذا انخضدَ الوسادُ بها فمالتْ ... مَميلاً فهو موتٌ أو خطارُ
تردُّ بفترةٍ عضديكَ عنها ... إذا اعتُنقتْ ومالَ بها انهِصارُ
يكادُ البعلُ يشربُها إذا ما ... تلقَّاهُ بنشوتِها انبهارُ
شميماً تنشرُ الأحشاءُ منهُ ... وحبّاً لا يباعُ ولا يعارُ
ترى منها ابنَ عمِّكَ حينَ يُضحي ... نقيَّ اللَّونِ ليسَ بهِ غبارُ
كوقفِ العاجِ مسَّ ذكيَّ مسكٍ ... يجيءُ به منَ اليمينِ التّجارُ
إذا نادى المُنادي باتَ يبكي ... حذارَ الصُّبحِ لو نفعَ الحذارُ
وودَّ اللَّيلُ زيدَ عليهِ ليلٌ ... ولمْ يخلْ له أبداً نهارُ
يردُّ تنفُّسَ الصَّعداءِ حتَّى ... يكونُ مع الوتينِ له قرارُ
يكادُ الموتُ يدركهُ إذا ما ... بدا الثَّديانِ وانقلبَ الإزارُ
كأنَّ سبيكةً صفراءَ شِيفتْ ... عليها ثمَّ لِيثَ بها الخمارُ
يبيتُ ضجيعُها بمكانِ دلٍّ ... وملحٍ ما لدرَّتهِ غرارُ
[الرحال بن محدوج]
وقال الرحال بن مجدوح النميري، يهجو امرأته مثلما هجا جران العود امرأته، وكانا صديقين، وليست من الألف المختارة:
أقولُ لأصحابي الرّواحَ فقرِّبوا ... جُماليَّةً وجناءَ توزعُ بالنَّقرِ
وقرَّبنَ ذيَّالاً كأنَّ سراتهُ ... سراةَ نقا العزَّافِ لبّدهُ القطرُ
فقلنَ أرحْ لا تحبسِ القومَ إنَّهمْ ... ثَووا أشهراً قد طال ما قد ثوى السَّفرُ
فقامتْ بئيساً بعد ما طالَ نزرها ... كأنَّ بها فتراً وليسَ بها فترُ
قطيعٌ إذا قامتْ قطوفٌ إذا مشتْ ... خطاها وإن لم تألُ أدنى منَ الشّبرِ
إذا نهضت من بيتها كانَ عقبةً ... لها غولُ ما بين الرّواقين والسترِ
فلا باركَ الرحمنُ في عودِ أهلها ... عشيَّةَ زفُّوها ولا فيكِ من بكرِ
ولا باركَ الرحمنُ في الرَّقمِ فوقهُ ... ولا بارك الرحمن في القطفِ الحمرِ
ولا في حديثٍ بينهنَّ كأنَّهُ ... نئيمُ الوصايا حين غيَّبها الخدرُ
ولا جلوةٍ منها يحلِّينني بها ... ألا ليتني غيِّبتُ قبلكِ في القبرِ
ولا في سقاطِ المسكِ تحتَ ثيابها ... ولا في القوارير الممسكةِ الخضرِ
ولا فرشٍ ظوهرْنَ من كلِّ جانبٍ ... كأنِّي أكوَّى فوقهنَّ من الجمرِ
ولا الزَّعفرانِ حينَ شحَّنها بهِ ... ولا الحلي منها حين نيطَ إلى النَّحرِ
ولا رقةَ الأثوابِ حينَ تلبَّستْ ... لنا في ثيابٍ غيرَ خشنٍ ولا قطرِ
ولا عجزٍ تحتَ الثّيابِ نبيلةٍ ... تديرُ لها العينين بالنَّظرِ الشَّزرِ
وجهِّزتها قبلَ المحاقِ بليلةٍ ... فكانَ محاقاً كلُّهُ ذلكَ الشَّهر
وقد مرَّ تجرٌ فاشتروا لي بناءها ... وأثوابها لا بارك الله في التَّجرِ
ولا فيَّ إذ أحبو أباها وليدةً ... كأنيَّ مسقيٌّ يعلُّ من الخمرِ
وما غرَّني إلاّ خضابٌ بكفِّها ... وكحلٌ بعينيها وأثوابها الصُّفرِ
وسالفةٍ كالسَّيفِ زايلَ غمدهُ ... وعينٍ كعينِ الرِّئمِ في البلدِ القفرِ
وشبهِ قناةٍ لدْنةٍ مستقيمةٍ ... وذاتِ ثنايا خالصاتٍ من الحبرِ
وإن جلستْ وسطَ النِّساءِ شهرنها ... وإن هي قامتْ فهيَ كاملةُ الشِّبرِ
فلما برزناها الثِّيابَ تبيَّنتْ ... طماحَ غلامٍ قد أجدَّ بهِ النَّقرُ
دعاني الهوى نحو الحجازِ مصعَّداً ... وإنِّي وإيَّاها لمختلفا النَّجرِ
ألا ليتهمْ زفُّوا إليَّ مكانها ... شديدَ القصيرى ذا عرامٍ من النُّمرِ