إذا ما عدا العادي بهِ نحو قرنهِ ... وقد سامهُ قولاً فدتكَ المناصلُ
وأملسُ هنديٌّ متى يعلُ حدهُ ... ذرى البيضِ لا تسلم عليهِ الكواهلُ
ألستَ نقياً لا تليقُ بكَ الذرى ... ولا أنتَ إن طالت بكَ الكفُّ ناكلُ
حسامٌ خفيُّ الجرسِ عندَ استلالهِ ... صفيحتهُ مما تنقي الصياقلُ
ومطردٌ لدنُ الكعوبِ كأنما ... تغشاهُ منباعٌ منَ الزيتِ سائلُ
أصمُّ إذا ما هزَّ مارت سراتهُ ... كما مارَ ثعبانُ الكثيبِ الموائلُ
لهُ فارطٌ ماضي الغرارِ كأنهُ ... هلالٌ بدا في ظلمةِ الليلِ ناحلُ
فدع ذا ولكن ما ترى رأيَ عصبةٍ ... أتتنيَ منهم مندياتٌ عضائلُ
يهزونَ عرضي بالمغيبِ ودونهُ ... لقرمهمِ مندوحةٌ ومآكلُ
على حينَ أن جربتُ واشتدَّ جانبي ... وأنبحَ مني رهبةً من أناضلُ
وجاوزتُ رأسَ الأربعينَ فأصبحت ... قناتيَ لا يلفى لها الدهرَ عادلُ
وقد علموا في سالفِ الدهرِ أنني ... معنٌّ إذا جدَّ الجراءُ ونابلُ
زعيمٌ لمن قاذفتهُ بأوابدٍ ... يغني بها الساري وتحدى الرواحلُ
تكرُّ فما تزدادُ إلا استنارةً ... إذا رازتِ الشعرَ الشفاهُ العواملُ
مذكرةٍ تلقى كثيراً رواتها ... ضواحٍ لها في كلِّ أرضٍ أزاملُ
فمن أرمه منها ببيتٍ يلح بهِ ... كشامةِ وجهٍ ليس للشامِ غاسلُ
كذاك جزائي في الهديّ وإن أقل ... فلا البحرُ منزوحٌ ولا الصوتُ صاحلُ
فعدِّ قريضَ الشعر إن كنتَ مغزراً ... فإنَّ غزيرَ الشعرِ ما شاءَ قاتلُ
لنعتِ صباحي طويلٍ شقاؤهُ ... لهُ رقمياتٌ وصفراءُ ذابلُ
بقينَ لهُ مما يبري وأكلبٌ ... تقلقلُ في أعناقهنَّ السلاسلُ
سخامٌ ومقلاءُ القنيصِ وشيظمٌ ... وجدلاءُ والسرحانُ والمتناولُ
بناتُ سلوقيينِ كانا حياتهُ ... فماتا فأودى شخصهُ فهوَ خاملُ
وأيقنَ إن ماتا بجوعٍ وخيبةٍ ... وقال لهُ الشيطانُ إنكَ عائلُ
فطوفَ في أصحابهِ يستثيبهم ... فآبَ وقد أكدت عليهِ المسائلُ
إلى صبيةٍ مثلِ المغالي وخرملٍ ... روادٍ ومن شرِّ النساءِ الخراملُ
فقالَ لها هل من طعامٍ فإنني ... أذمُّ إليكِ الناسَ أمكِ هابلُ
فقالت نعم هذا الطويُّ وماؤهُ ... ومحترقٌ من حائلِ الجلدِ قاحلُ
فلما تناهت نفسهُ من طعامهِ ... وأمسى طليحاً ما يعانيهِ باطلُ
تغشى يريدُ النومَ فضلَ ردائهِ ... فأعيا على العينِ السهادَ البلابلُ
[عبدة بن الطبيب]
وقال عبدة بن الطبيب واسمه يزيد بن عمرو بن وعلة بن أنس بن عبد الله بن عبد نهم بن جشم بن عبد شمس بن سعد بن زيد مناة بن تميم:
هل حبلُ خولةَ بعدَ الهجرِ موصولُ ... أم أنتَ عنها بعيدُ الدارِ مشغولُ
حلت خويلةُ في دارٍ مجاورةً ... أهلَ المدائنِ فيها الديكُ والفيلُ
يقارعونَ رؤوسَ العجمِ ضاحيةً ... منهم فوارسُ لا عزلٌ ولا ميلُ
فخامر العقلَ من ترجيعِ ذكرتها ... رسٌّ لطيفٌ ورهنٌ منكَ مكبولُ
رسٌّ كرسِّ أخي الحمى إذا غبرت ... يوماً تأوبهُ منها عقابيلُ
وللأحبةِ أيامٌ تذكرها ... وللنوى قبلَ يومِ البينِ تأويلُ
إنَّ التي ضربت بيتاً مهاجرةً ... بكوفةِ الجندِ غالت دونها غولُ
فعدِّ عنها ولا تشغلكَ عن عملٍ ... إنَّ الصبابةَ بعدَ الشيبِ تضليلُ
بجسرةٍ كعلاةِ القينِ دوسرةٍ ... فيها على الأينِ إرقالٌ وتبغيلُ
عنسٍ تشيرُ بقنوانٍ إذا زجرت ... من خصبةٍ بقيت فيها شماليلُ
قرواءُ مقذوفةٌ بالنحضِ يشعفها ... فرطَ المراحِ إذا كلَّ المراسيلُ
وما يزالُ لها شأوٌ يوقرهُ ... محرفٌ من سيورِ الغرفِ مجدولُ
إذا تجاهدَ سيرُ القومِ في شركٍ ... كأنهُ شطبٌ بالسروِ مرمولُ
نهجٍ ترى حولهُ بيضَ القطا قبصاً ... كأنه بالأفاحيصِ الحواجيلُ
حواجلٌ ملئت زيتاً مجردةً ... ليست عليهنَّ من خوصِ سواجيلُ
وقل ما في أداوي القوم فانجردوا ... وفي الأداوى بقياتٌ صلاصيلُ