للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تظلُّ وبعضُها يبكي لبعضٍ ... بكاءَ التُّركِ قسَّمها السِّباءُ

على سححِ الخدودِ شداقماتٍ ... كأنَّ لحَى جماجمِها الفراءُ

كأنَّ عيونهنَّ قلاتُ هضبٍ ... تحدَّرَ من مدامعهنَّ ماءُ

ويلهمنَ السِّجالَ بسرطماتٍ ... تهالكُ في مراشفِها الدِّلاءُ

إذا اعتكرتْ على المركوِّ دقَّتْ ... صفائحهُ وقد ثلمَ الإزاءُ

كأنَّ جذوعَ أخضرَ فارسيٍّ ... تحدَّرَ منْ كوافرهِ المطاءُ

خرجنَ منابتَ الأعناقِ منها ... يزيِّنها القلائدُ والنُّهاءُ

مبيِّنةٌ ترى البصراءَ فيها ... وأفيالَ الرِّجالِ وهمْ سواءُ

يظلُّ حديثُها في القومِ يجري ... ولمْ يكُ منهمُ فيها مراءُ

منَ اللاَّئي يردنَ العيشَ طيباً ... وترقى في معاقلِها الدِّماءُ

تنشَّرُ في الصَّبا وتذودُ عنها ... صميمَ القرِّ أثباجٌ دفاءُ

إذا عقلَ الشِّتاءُ الخورَ باتتْ ... عواشيَ ما يعقِّلها الشِّتاءُ

جلادٌ مثلَ جندلِ لبنَ فيها ... خبورٌ مثلُ ما خسفَ الحساءُ

عذرتُ النَّاسَ غيركَ في أمورٍ ... خلوتُ بها فما نفعَ الخلاءُ

فليسَ على ملامتناكَ لومٌ ... وليسَ على الذي تلقى بقاءُ

ألمَّا أنْ رأيتَ النَّاسَ ليستْ ... كلابهمُ عليَّ لها عواءُ

ثنيتَ ركابَ رحلكَ معْ عدوِّي ... بمختبلٍ وقد برحَ الخفاءُ

ولاخيتُ الرَّجالَ بذاتِ بيني ... وبينكَ حينَ أمكنكَ اللّخاءُ

فأيّ أخٍ لسلمكَ بعدَ حربي ... إذا قومُ العدوِّ دعوا فجاؤوا

فقامَ الشَّرُّ منكَ وقمتَ منهُ ... على رجلٍ وشالَ بكَ الجذاءُ

هنالكَ لا يقومُ مقامَ مثلي ... منَ القومِ الظَّنونُ ولا النّساءُ

وقد عيَّرتني وجفوتَ عنِّي ... فما أنا ويبُ غيركَ والجفاءُ

فقدْ يغنى الحبيبُ ولا يُراخي ... مودَّتهُ المغانمُ والحباءُ

ويوصلُ ذو القرابةِ وهوَ ناءٍ ... ويبقى الدِّينُ ما بقيَ الحياءُ

جزى اللهُ الصَّحابةَ عنكَ شرّاً ... وكلُّ صحابةٍ لهمُ جزاءُ

بفعلهم فإنْ خيراً فخيراً ... وإنْ شرّاً كما مثلَ الحذاءُ

وإيَّاهمْ جزى منِّي وأدَّى ... إلى كلٍّ بما بلغَ الأداءُ

فقد أنصفتهمْ والنّصفُ يرضى ... بهِ الإسلامُ والرَّحمُ البواءُ

لددتهمُ النَّصيحةَ كلَّ لدٍّ ... فمجُّوا النُّصحَ ثمَّ ثنَوا فقاؤوا

إذا مولًى رهبتُ اللهَ فيهِ ... وأرحاماً لها قبلي رعاءُ

رأى ما قدْ فعلتُ بهِ موالٍ ... فقدْ غمرتْ صدورهمُ وداؤوا

وكيفَ بهمْ وإنْ أحسنتُ قالوا ... أسأتَ وإنْ غفرتُ لهمْ أساؤوا

فلا وأبيكَ لا يُلقى لما بي ... وما بهم منَ البلوى شفاءُ

السَّموأل بن عادياء

وقال السَّموأل بن عادياء الأزدي، وهو جاهلي:

إذا المرءُ لمْ يدنسِ منَ اللُّؤمِ عرضهُ ... فكلُّ راءٍ يرتديهِ جمِيلُ

وإنْ هو لمْ يحملْ على النَّفسِ ضيمَها ... فليسَ إلى حسنِ الثَّناءِ سبِيلُ

تعيِّرنا أنَّا قليلٌ عديدُنا ... فقلتُ لها إنَّ الكرامَ قلِيلُ

وما قلَّ منْ كانتْ بقاياهُ مثلنا ... شبابٌ تسامى للعُلا وكهولُ

وما ضرَّنا أنَّا قليلٌ وجارُنا ... عزيزٌ وجارُ الأكرمينَ ذلِيلُ

لنا جبلٌ يحتلُّهُ مَن نجيرهُ ... منيعٌ يردُّ الطَّرفَ وهوَ كلِيلُ

رسا أصلهُ تحتَ الثَّرى وسما بهِ ... إلى النَّجمِ فرعٌ لا ينالُ طوِيلُ

هوَ الأبلقُ الفردُ الذي سارَ ذكرهُ ... يعزُّ على مَن رامهُ ويطُولُ

وإنَّا لقومٌ لا نرى القتلَ سبَّةً ... إذا ما رأتهُ عامرٌ وسلُولُ

يقرِّبُ حبُّ الموتِ آجالَنا لنا ... وتكرههُ آجالهمْ فتطُولُ

وما ماتَ منَّا سيِّدٌ حتفَ أنفهِ ... ولا طلَّ منَّا حيثُ كانَ قتِيلُ

تسيلُ على حدِّ السّيوفِ نفوسُنا ... وليستْ على غيرِ السّيوفِ تسِيلُ

صفوْنا فلمْ نكدرْ وأخلصَ سرَّنا ... إناثٌ أطابتْ حملَنا وفحُولُ

علوْنا إلى خيرِ الظُّهورِ وحطَّنا ... لوقتٍ إلى خيرِ البطونِ نزُولُ

<<  <   >  >>