تبادرنَ أبوابَ الحجالِ كما مشى ... حمامُ ضحًى في أيكةٍ وفنونِ
وقال خليلي طالعاتٌ من الصَّفا ... فقلتُ تأمَّلْ ليسَ حيثُ تريني
قرضْنَ شمالاً ذا العشيرةِ كلَّهُ ... وذاتَ اليمينِ البرْقَ برقَ هجينِ
فأصعدْنَ في سرَّاءَ حتَّى إذا انتحتْ ... شمالاً نحا حاديهمُ ليمينِ
فلمَّا تعسَّفنَ الأداهمَ فُتْنني ... وسمَّحَ للبينِ المشتِّ قريني
فألقتْ عصاها واستقرَّ بها النَّوى ... على جنبِ نهيٍ ذي شرائعَ جونِ
أبيني لنا قبلَ الفراقِ أبيني ... بثينةُ حقّاً صرمكمْ بيقينِ
فلو أرسلتْ يوماً بثينةُ تبتغي ... يميني ولو عزَّتْ عليَّ يميني
لأعطيتها ما جاءَ يبغي رسولها ... وقلتُ لها بعدَ اليمينِ سليني
سليني ما لي يا بثينَ فإنَّما ... يبيِّنُ عندَ المالِ كلُّ ضنينِ
فما لكِ لمَّا خبَّرَ النَّاسُ أنَّني ... أسأتُ بظهرِ الغيبِ لم تسليني
فأبليَ عذراً أو أجيءَ بشاهدٍ ... من النَّاسِ عدلٍ أنَّهم ظلموني
ولستُ وإن عزَّتْ عليَّ بقائلٍ ... لها بعدَ صرمٍ يا بثينَ صليني
لحى الله من لا ينفعُ الودُّ عندهُ ... ومن حبلهُ إنْ مدَّ غيرُ متينِ
ومن هو إنْ تحدثُ له العينُ نظرةً ... يقضّبْ لها أسبابَ كلِّ قرينِ
ومن هو ذو لونينِ ليسَ بدائمٍ ... على خلقٍ خوَّانُ كلِّ أمينِ
فليتَ رجالاً فيكَ قد نذروا دمي ... وهمُّوا بقتلي يا بثينَ لقوني
أرادوا لكيما يقتلوني ولا يدوا ... دمي ثمَّ إنَّ الواقياتِ تقيني
إذا ما رأَوني مقبلاً من ثنيَّةٍ ... يقولونَ من هذا وقد عرفوني
وكيفَ لا توفي دماؤهمْ دمي ... ولا مالهمْ ذو كثرةٍ فيدوني
حلفتُ بربِّ الرّاقصاتِ إلى منًى ... هويَّ القطا يجتزنَ بطنَ دفينِ
لأيقنَ هذا القلبُ أن ليسَ لاقياً ... سُليمى ولا أمَّ الجُسيرِ لحينِ
من البيضِ لم تعقدْ نطاقاً بخصرها ... ولم يرْخِ متنيها ارتكاضُ جنينِ
كأنَّ دموعَ العينِ إذ شطَّتِ النَّوى ... ببثنةَ يسقيها رذاذُ معينِ
جلتْ برداً غرّاً ترفُّ غروبهُ ... عِذابَ الثَّنايا لم تشبْ بأجونِ
وقال جميل أيضاً:
أمنْ آلِ ليلى تغتدي أم تروَّحُ ... وللمغتدي أمضى هموماً وأسرحُ
ظللنا لدى ليلى وظلَّتْ ركابنا ... بأكوارها محبوسةً ما تسرَّحُ
إذا أنتَ لم تظفرْ بشيءٍ طلبتهُ ... فبعضُ التَّأنِّي في اللُّبانةِ أنجحُ
وقامتْ تراءى بعدما نامَ صحبتي ... لنا وسوادُ اللَّيلِ قد كادَ يجلحُ
بذي أشرٍ كالأقحوانِ يزينهُ ... ندى الطَّلِ إلاّ أنَّه هو أملحُ
كأنَّ خزامى عالجٍ في ثيابها ... بعيدَ الكرى أو فأرَ مسكٍ تذبَّحُ
كأنَّ الذي يبتزُّها من ثيابها ... على رملةٍ من عالجٍ متبطِّحُ
وبالمسكِ تأتيكَ الجنوبُ إذا جرتْ ... لكَ الخيرُ أم ريّا بثينةَ تنفحُ
من الخفراتِ البيضِ خودٌ كأنَّها ... إذا ما مشتْ شبراً من الأرضِ تُنزحُ
منعمةٌ لو يدرجُ الذَّرُ بينها ... وبين حواشي ثوبها ظلَّ يجرحُ
إذا ضربتها الرِّيحُ في المرطِ أجفلتْ ... مآكمها والرّيحُ في المرطِ أفضحُ
ترى الزُّلَّ يلعنَّ الرِّياحَ إذا جرتْ ... وبثنةُ إن هبَّتْ لها الرِّيحُ تفرحُ
إذا الزُّلُّ حاذرنَ الرِّياحَ رأيتها ... من العجبِ لولا خشيةُ الله تمرحُ
وإنّي وإنْ لم تسمعي لمقالتي ... لأحمدُ نفسي في التَّنائي وأمدحُ
ويرتاحُ قلبي والتَّنوفةُ بيننا ... لذكراكِ أو ينهلُّ دمعي فيسفحُ
وبثنةُ قد قالتْ وكلُّ حديثها ... إلينا ولو قالتْ بسوءٍ مملَّحُ
تقولُ بني عمِّي عليكَ أظنَّةٌ ... وأنتَ العدوُّ المسرفُ المتنطِّحُ
وقالتْ عيونٌ لا تزالُ مطلَّةً ... علينا وحولي من عدوِّكَ كشَّحُ
إذا جئتنا فانظر بعينٍ جليَّةٍ ... إلينا ولا يغرُركَ من يتنصَّحُ
رجالٌ ونسوانٌ يودّونَ أنَّني ... وإيّاكَ نخزى يا بن عمّي ونفضحُ