إذا طردنا كسونا الخيلَ أنضيةً ... وإن طردنا كأنا خلفنا زورُ
قومٌ إذا اختلفَ الهيجاءُ واختلفت ... صبرٌ إذا عردَ العزلُ العواويرُ
لقد أروعُ سوامَ الخيلِ ضاحيةً ... بالجردِ يركضها الشعثُ المغاويرُ
يحملنَ كلَّ هجانٍ صارمٍ ذكرٍ ... وتحتهمُ شزبٌ قبٌّ محاضيرُ
أوعدتمُ إبلي كلاَّ سيمنعها ... بنو غزيةَ لا ميلُ ولا عورُ
كأنَّ ولدانهم لما اختلطنَ بهم ... تحتَ العجاجةِ بالأيدي العصافيرُ
تنجو سوالفها من ساطعٍ كدرٍ ... كما تجللتِ الوعثَ اليعافيرُ
متنطقاً بحسامٍ غيرِ منقضمٍ ... عضبِ المضاربِ فيهِ السمُّ مذرورُ
وعاملٍ مارنٍ صُمِّ معاقمهُ ... فيهِ سنانٌ حديدُ الحدِّ مطرورُ
وقال دريد أيضاً:
إن يكُ رأسي كالثغامةِ نسلهُ ... يطيفُ بي الولدانُ أحدبَ كالقردِ
رهينةَ قعرِ البيتِ كلَّ عشيةٍ ... كأني أرادى أن أصوبَ في مهدِ
فمن بعدَ فضلٍ في شبابٍ وقوةٍ ... ورأسٍ أثيثٍ حالكِ اللونِ مسودِ
فقد أبعثُ الوجناءَ يدمى أظلها ... على ظهرِ سبسابٍ كحاشيةِ البردِ
فأوردتها ماءً قليلاً أنيسهُ ... حديثاً بعهدِ الناسِ أو غيرَ ذي عهدِ
فأعكسها في جمةٍ فنضأتها ... فآنستُ ما أبغي وأتعبتها تردي
إلى علمٍ ناءٍ كأنَّ مسافهُ ... مخللُ كتانٍ من النأي والبعدِ
وخيلٍ كأسرابِ القطا قد وزعتها ... على هيكلٍ نهدِ الجزارةِ مرمدِ
سوابقها يخرجنَ من متنصفٍ ... خروجَ القواري الخضرِ من سبلِ الرعدِ
وغيثٍ من الوسميِّ حوِّ تلاعهُ ... علتهُ جمادى بالبوارقِ والرعدِ
تبطنتهُ تعدو ببزيَ نهدةٌ ... جلالةُ ما بينَ الشراسيفِ واللبدِ
وتخطو على صمٍّ كأنَّ نسورها ... نوى القسبِ يستوقدنَ في الظربِ الصلدِ
لها حضرٌ كيفَ الحريقُ وعقبها ... كجمِّ الخسيفِ بعدَ معمعةِ الوردِ
قليلُ البتاتِ غيرَ قوسٍ وأسهمٍ ... وأبيضَ قصالِ الضريبةِ محتدِّ
وأسمرَ مربوعٍ متلٍّ كعوبهُ ... يصرفُ فيهِ لهذماً وادقَ الحدِّ
وقال دريد أيضاً في الخنساء وخطبها فكرهته لكبره:
وقاكِ اللهُ يا ابنةَ آلِ عمرو ... من الفتيانِ أمثالي ونفسي
ولا تلدي ولا ينكحكِ مثلي ... إذا ما ليلةٌ طرقت بنحسِ
إذا عقبُ القدورِ تكونُ ماءً ... تحبُّ حلائلُ الأبرامِ عرسي
وقد علمَ المواضعُ في جمادى ... إذا استعجلنَ عن حزٍّ بنهسِ
بأني لا أبيتُ بغيرِ لحمٍ ... وأبدأُ بالأراملِ حينَ أمسي
وأني لا ينادي الحيُّ ضيفي ... وضيفي لا يبيتُ خبيثَ نفسي
وتزعمُ أنني شيخٌ كبيرٌ ... وهل نبأتها أني ابنُ أمسِ
تريدُ أفيحجَ القدمينِ شثناً ... يبادرُ بالجدايرِ كلَّ كرسِ
وأصفرُ من قداحِ النبعِ صلبٌ ... خفيُّ الوسمِ من ضرسِ ولمسِ
دفعتُ إلى المفيضِ إذا استقلوا ... على الركباتِ مطلعَ كلِّ شمسِ
وإن أكدي فتامكةٌ تؤدي ... وإن أوري فإني غيرُ شكسِ
ومرقصةٍ رددتُ الخيلَ عنها ... بموزعةِ التوالي ذاتِ فلسِ
وما قصرت يدي عن عظمِ أمرٍ ... أهمُّ بهِ وما سهمي بنكسِ
وما أنا بالمزجي حينَ يسمو ... عظيمٌ مل أمورِ ولا بوهسِ
وقد أجتازُ عرضَ الخرقِ ليلاً ... بأعيسَ من جمالِ العيدِ جلسِ
كأنَّ على تنائفهِ إذا ما ... أضاءت شمسهُ أثوابَ برسِ
وقال دريد أيضاً:
غشيتُ برابغٍ طللاً محيلاً ... أبت آياتهُ إلاَّ تحولا
تعفت غيرُ سفعٍ ماثلاتٍ ... يطيرُ سواده سملاً جفولا
سواكنهُ جوامعُ بينَ جأبٍ ... يساقطُ بينَ سمنتهِ النسيلا
إذا ما صاحَ حشرجَ في سحيلٍ ... وإرنانٍ فأتبعهُ سحيلا
وظلمانٍ مجوفةٍ بياضاً ... وعينٍ ترتعي منهُ بقولا
وقفتُ بها سراةَ اليومِ صحبي ... أكفكفُ دمعَ عيني أن يسيلا
ألا أبلغ وشاةَ الناسِ أني ... أكونُ لهم على نفسي دليلا
بأني قد تركتُ وصالَ هندٍ ... وبدلَ ودها عندي ذهولا
فإني آتي التي تهوونَ منها ... فقد عاصيتها زمناً طويلا