كأنَّ إبريقهُمُ ظبيٌ على شرفٍ ... مقدمٌ بسبَا الكتانِ ملثومُ
أبيضُ أبرزهُ بالضحِّ راقبُهُ ... مقلدٌ قضبَ الريحانِ مفغومُ
وقد يسرتُ إذا ما الجوعُ كلفَهُ ... معقبٌ من قداحِ النبعِ مقرومُ
لو تيسرونَ بخيلٍ قد يسرتُ بها ... وكلُّ ما تيسرُ الأقوامُ مغرومُ
وقد أصاحبُ أقواماً طعامُهُمُ ... خضرُ المزادِ ولحمٌ فيه تنشيمُ
وقدْ علوتُ قتودَ الرحلِ يسفعني ... يومٌ تجيءُ به الجوزاءُ مسمومُ
حامٍ كأنَّ أوارَ النارِ شائلةٌ ... دونَ الثيابِ ورأسُ المرءِ معمومُ
وقدْ أقودُ أمَامَ الحيِّ سلْهَبَةً ... ينمي بها نسبٌ في الحي معلومُ
لا في شظاها ولا أرساغِها عنتٌ ... ولا السنابكُ أفناهنَّ تقليمُ
سلاءةٌ كعصَى النهدِي غلَّ لها ... ذو فيئةٍ منْ نوى قرَّانَ معجومُ
تنبعُ جوناً إذا ما هيجتْ زحلتْ ... كأنَّ دفَاً على العلياءِ مهزومُ
إذا تزغمَ في حافاتِها رُبَعٌ ... حنتْ شغاميمُ في أطرافها كومُ
يهدي بها أكلفُ الخدين مختبرٌ ... من الجمالِ عظيمُ الدَّأْي عيثُومُ
وقال أيضاً: الطويل
طحا بكَ قلبٌ في الحسانِ طروبُ ... بعيدَ الشبابِ عصرَ حَانَ مشيبُ
يكلفني ليلى وقدْ شطَّ ولْيُهَا ... وعادتْ عوادٍ بيننا وخطوبُ
مناعمةٌ لا يُستطاعُ كلامُها ... على بابِها من أن تزَارَ رقيبُ
وما أنتَ أمْ ما ذكرهَا ربعيةً ... يخطُّ لها من ثرْمداءَ قليبُ
إذا غَابَ عنهَا البعلُ لم تُفْشِ سرَّهُ ... وترضِي إيابَ البعلِ حينَ يؤوبُ
فلا تعذلِي بيني وبينَ مغمرٍ ... سقاك روايا المُزْنِ حينَ تصوبُ
سَقاكِ يمانٍ ذو حبيِّ وعارِضٍ ... تروحُ به جنحَ العشيِّ جنوبُ
فإنْ تسألوني بالنِّساءِ فإنني ... خبيرٌ بأدواءِ النساءِ طبيبُ
يردنَ ثراءَ المالِ حيثُ وجدنهُ ... وشرخُ الشبابَ عندهنَّ عجيبُ
إذا شابَ رأسُ المرءِ أو قلَّ مَالهُ ... فليسَ لهُ في ودِّهِنَّ نصيبُ
إلى الحارثِ الوهابِ أعملتُ ناقلتي ... لكلكلها والقصريين وجيبُ
تتبَّعُ أفياءَ الظّلالِ عشيَّةً ... على طرقٍ كأنهنَّ سُبُوبُ
بِهَا جيفُ الحسرَى فأمَّا عِظَامُهَا ... فبيضٌ وأمَّا جلدُهَا فصليبُ
هداني إليكَ الفرقدانِ ولا حبٌ ... لهُ فوقَ أسواءِ المتانِ علوبُ
وناجيةٍ أفنَى رَكيبَ ضُلُوعِهَا ... وحارِكِهَا تهجُّرُ ودُؤُوبُ
فأَوردتُهَا ماءً كأَنَّ جمامَهُ ... منَ الأجْنِ حناءٌ معاً وصبيبُ
ترادُ على دمنِ الحياضِ فإنْ تعفْ ... فأنَّ المندَّى رِحْلَةٌ فركوبُ
وتصبحُ عنْ غِبِّ السُّرَى وكأنَّها ... مولعةٌ تخشَى القنيصَ شبوبُ
تعفقُ بالأرطَى لها وأرَادها ... رجالٌ فبذَّتْ نبلَهُم وكليبُ
لتبلغَنِي دارَ امرئٍ كانَ نائياً ... فقدْ قربتني من نداكَ قروبُ
فأضحى امرأً أفضتْ إليهِ أمانتي ... وقبلك ربتني فضعتُ رُبُوبُ
وواللهِ لولا فارسُ الجونِ منهمُ ... لآبوا خزايا والإيابُ حبيبُ
تقدمهُ حتى تغيبَ حجولهُ ... وأنتَ لبيضِ الدَّارِعين ضروبُ
مظاهرُ سربالي حديدٍ عليهمَا ... عقيلاً سيوفٍ مخذمٌ ورسوبُ
تجادلهمْ حتى اتقوْكَ بخيرهم ... وقد حانَ من شمسِ النهارِ غروبُ
وقاتلَ من غسانَ أهلُ حِفاظِهَا ... وهنبٌ وقاسٌ ماصعتْ وشبيبُ
تخشخشُ أبدانُ الحديدِ عليهمِ ... كما خشخشتْ يبسَ الحصادِ جنوبُ
كأنَّ رجالَ الأوسِ تحتَ لبانهِ ... وما جمعتْ جلٌّ معاً وعتيبُ
رغَا فوقهم سَقبُ السماءِ فدَاحِصٌ ... بشكتهِ لم يستلبْ وسليبُ
كأنهمُ ضافَتْ عليهمْ سحابةٌ ... صواعقُهَا لطيرهِنَّ دَبيْبُ
فلمْ تبقَ إلاّ شطبةٌ بلجامِهَا ... وإلا طمِرٌّ كالقناةِ نجيبُ
وإلاّ كميٌّ ذو حفاظٍ كأنهُ ... بما ابتلَّ منْ حدِّ الظُّباةِ خضيبُ
وفي كلِّ حيٍّ قدْ خبَطت بنعمةٍ ... وحقَّ لشأسٍ مِنْ نداكَ ذنوبُ
فلا تحرمني نائلاً عنْ جنابةٍ ... فإني امرؤٌ وسطَ القباب غريبُ