ولمْ يمنعوا منا مكاناً نريدُه ... لهمْ محرزٌ إلاَّ ظهورُ المشارِبِ
فهلاَّ لدى الحربِ العوانِ صبرتُمُ ... لوقعتنا والبأسُ صعبُ المراكبِ
ظأرناكمُ بالبيضِ حتى لأنتمُ ... أذلُّ من السقبانِ بينَ الحلائبِ
ولما هبطنا الحربَ قالَ أميرُنا ... حرامٌ علينا الخمرُ إنْ لمْ نضارِبِ
فسامحهُ منا رجالٌ أعزةٌ ... فما برحوا حتى أحلتْ لشاربِ
فليتَ سويداً راءَ منْ خرَّ منهمُ ... ومنْ فرّ إذْ يحدُوهُمُ كالجلائبِ
فأبنا إلى أبياتنا ونسائِنا ... وما منْ تركنا في بعاثَ بآئبِ
ولوْ غبتُ عن قومِي كفتنِي عشيرتِي ... ويومُ بعاثٍ كانَ يومَ الثعالِبِ
وقال قيس أيضاً: السريع
ردَّ الخليطُ الجمالَ فانصرفُوا ... ماذا عليهمْ لو أنهمْ وقفوا
لوْ وقفوا ساعةً نسائلهمْ ... ريثَ يضحِّي جمالهُ السلَفُ
فيهمْ لعوبُ العشاءِ آنسَةُ ال ... دَّلِّ عروبٌ يسوءها الخلفُ
بينَ شكول النساءِ خلقتُها ... قصدٌ فلا جبلةٌ ولا قصفُ
تغترقُ الطرفَ وهيَ لاهيةٌ ... كأنما شفَّ وجهها نزفُ
قضى لها اللهُ حينَ يخلقُها ال ... خالِقُ ألاَّ يكنِّها سدَفُ
تنامُ عنْ كبرِ شأنِها فإذا ... قامتْ رويداً تكادُ تنغرفُ
حوراءُ جيداءُ يستضاءُ بها ... كأنها خوطُ بانةٍ قضفُ
تمشي كمشْي الزهراءِ في دمثِ ال ... رملِ إلى السهلِ دونهُ الجرُفُ
ولا تغثُّ الحديثَ ما نطقَتْ ... وهوَ بفيها ذو لذةٍ طرفُ
تخزنُهُ وهوَ مشتهًى حسَنٌ ... وهيَ إذا ما تكلمَتْ أنفُ
كأنَّ لباتِها تبدِّدُها ... هزلَى جرادٌ أجوازُهُ جلفُ
كأنَّها درةٌ أحاطَ بها ال ... غواصُ يجلو عنْ وجهها الصدفُ
واللهِ ذي المسجدِ الحرامِ وما ... جللَ من يمنةٍ لها خنفُ
إني لأهواكِ غيرَ ذي جنفٍ ... قد شفَّ منِّي الأحشاءُ والشعفُ
بلْ ليتَ أهلِي وأهلَ أثلَةَ في ... دارٍ قريبٍ من حيثُ تختلفُ
أيهاتَ منْ أهلهُ بيثربَ قدْ ... أمسَى ومن دونِ أهلِهِ سرفُ
يا ربِّ لا تبعدنْ ديارُ بنِي ... عذرةَ حيثُ انصرَفْتُ وانصرفُوا
أبلغْ بني جحجبَى وقومهُمُ ... خطفَة أنّا وراءَهُمْ أنفُ
وأننا دونَ ما نسومُهمُ الأع ... داءُ منْ ضيمِ خطةٍ نكفُ
نفلِي بحدِّ الصفيحِ هامهُمُ ... وفليُنا هامهمْ بها عنفُ
إذا بدَتْ غدوةً جباهُهمُ ... حنتْ إلينا الأرحامُ والصحفُ
كقيلنا للمقدمينَ قفوا ... عن شأوكُمْ والحرابُ تختلفُ
نتبعُ آثارَها إذا اختلجتْ ... سخنَ عبيطٍ عروقُهُ تكفُ
قالَ لنا الناسُ معشَرٌ ظفرُوا ... قلنا فأنَّى بقومِنا خلفُ
لنا معَ أجامنا وحوزتِنا ... بينَ ذراها مخارفٌ دلفُ
يذبُّ عنهنَّ سامرٌ مصعٌ ... سودُ الغواشِي كأنَّها عرفُ
وقال قيس: الطويل
تروحْ من الحسناءِ أمْ أنتَ مغتدِي ... وكيفَ انطلاقُ عاشِقٍ لمْ يزودِ
تراءَتْ لنا يومَ الرحيلِ بمقلتيْ ... غريرٍ بملتفٍّ من السدرِ مفردِ
وجيدٍ كجيدِ الرئمْ ضافٍ يزينهُ ... توقدُ ياقوتٍ وفضلُ زبرْجَدِ
كأنَّ الثريا فوقَ ثغرةِ نحرِها ... توقدُ في الظلماءِ أيَّ توقدِ
ألاَّ إنَّ بَينَ الشرعَبِيِّ وراتجٍ ... ضراباً كتخذيمِ السيالِ المعضدِ
لنا حائطانِ الموتُ أسفلُ منها ... وجمعٌ متى يصرخْ بيثربَ يصعدِ
ترى اللابَةَ الحمراءَ يسودُّ لونها ... ويسهُلُ منها كلُّ ريعهٍ وفدفَدِ
لعمرِي لقدْ حالفتُ ذبيانَ كلها ... وعبساً على ما في الأدِيم الممدَّدِ
وأقبلتُ من أهلِ الحجازِ بحلبَةٍ ... تغصُّ الفضاءَ كالقنا المتبددِ
تحملتُ ما كانتْ مزينةُ تشتكِي ... منَ الظلمِ في الأحلافِ حملَ التغمدِ
أرَى كثرةَ المعروفِ يورِثُ أهلَهُ ... وسوَّدَ عصرُ السوءِ غيرَ المسوَّدِ
إذا المرءُ لمْ يشبهْ أباهُ وجدَّهُ ... وأفحمَ إفحاماً فلمَ يتشدَّدِ
إذا المرءُ لم يفضلْ ولمْ يلقَ نجدةً ... معَ القومِ فليقعدْ بصغرٍ ويبعدِ