ومنْ دونِ ما حاولتَ من نكْثِ عهدِهمْ ... وأمِّكَ موتٌ يا بنَ دَحمةَ ناقعُ
فذُقْ غِبَّ ما قد جئتَ إنّكَ ضَلَّةٌ ... إلى جُرمِ ما لاقَيْتَ عطشانَ جائعُ
كفرْتَ الذي أسدوا إليكَ وسدَّدوا ... من الحُسنِ والنُّعمى فخدُّكَ ضارِعُ
هلَ انتَ أميرَ المؤمنينَ فإنّني ... بودِّكَ من وُدِّ البريّةِ قانعُ
مُتمِّمُ أجرٍ قد مضى وصنيعةٍ ... لكمْ عندَنا إذْ لا تُعَدُّ الصنائعُ
وكم من عدوٍّ كاشِحٍ ذي كَشاحةٍ ... ومُستمِعٍ بالغيبِ ما أنتَ صانعُ
وقال الأحوص:
أفي كلِّ يومٍ حَبَّةُ القلبِ تُقرَعُ ... وعيني لبَينٍ من ذوي الوُدِّ تَدمَعُ
ألَلْجِدُّ إنّي مُبتلىً كلَّ ساعةٍ ... بهمٍّ لهُ لوعاتُ حزنٍ تَطلَّعُ
إذا ذهبَتْ عني غَواشٍ لعَبْرَةٍ ... أظلُّ لأُخرى بعدَها أتوقَّعُ
فلا النفسُ من تَهْمامِها مُستريحةٌ ... ولا بالذي يأتي من الدهرِ يَقنعُ
ولا أنا باللائي تَسنَّيْتُ مُرْزأ ... ولا بذوي خَلْصِ الصَّفا مُتمتِّعُ
وأولعَ بي صرفُ الزمانِ وعَطفُهُ ... لتَقطيعِ وصْلٍ خُلّةٌ حينَ تقطعُ
وهاجَ ليَ الشوقَ القديمَ حمامةٌ ... على الأيْكِ بينَ القريتَيْنِ تَفجَّعُ
مُطوَّقةٌ تدعو هديلاً وتحتَها ... لهُ فنَنٌ ذو نضرةٍ يتزعْزَعُ
وما شَجوُها كالشجوِ منّي ولا الذي ... إذا جزعَتْ مثلُ الذي منهُ أجزَعُ
فقلتُ لها لو كنتِ صادقةَ الهوى ... صنعْتِ كما أصبحْتُ للشوقِ أصنعُ
ولكنْ كتمْتُ الوجدَ إلاّ تَرنُّماً ... أطاعَ له منّي فؤادٌ مُروَّعُ
وما يستوي باكٍ لشَجوٍ وطائرٌ ... سوى أنّهُ يدعو بصوتٍ ويسجَعُ
فلا أنا فيما قد بدا منكِ فاعلَمي ... أصَبُّ بعيداً منكِ قلباً وأَوجَعُ
ولوْ أنَّ ما أُعنى بهِ كانَ في الذي ... أوَمِّلُ منْ معروفِهِ اليومَ مَطمَعُ
ولكنّني وُكِّلْتُ منْ كلِّ باخلٍ ... عليَّ بما أُعنى بهِ وأُمَنَّعُ
وفي البخلِ عارٌ فاضحٌ ونقيصةٌ ... على أهلهِ والجودُ أبقى وأوسعُ
أجِدَّكَ لا تنسى سُعادَ وذِكرها ... فيرقأُ دمعُ العينِ منكَ فتهجَعُ
طربْتَ فما تنفكُّ يحزُنُكَ الهوى ... مُودِّعُ بَينٍ راحلٍ ومُودَّعُ
أبى قلبُها إلاّ بِعاداً وقسوةً ... ومالَ إليها وُدُّ قلبِكَ أجمعُ
فلا هي بالمعروفِ منكَ سخيّةٌ ... فتُبرمُ حبلَ الوصْلِ أو تَتبرَّعُ
ولا هو إمّا عاتبٌ كانَ قابلاً ... من الهائمِ الصَّبِّ الذي يتضرَّعُ
أفِقْ أيُّها المرءُ الذي بهمومِهِ ... إلى الظاعنِ النائي المحَلَّةِ ينزِعُ
فما كلُّ ما أمَّلتَهُ أنتَ مُدركٌ ... ولا كلُّ ما حاذَرْتَهُ عنكَ يُدفَعُ
ولا كلُّ ذي حرصٍ يُزادُ بحرصِهِ ... ولا كلُّ راجٍ نفعَهُ المرءُ ينفعُ
وكم سائلٍ أمْنِيَّةً لوْ ينالُها ... لظَلَّ بسوءِ القولِ في القومِ يقنعُ
وذي صَممٍ عندَ العِتابِ وسَمعُهُ ... لِما شاءَ منْ أمرِ السفاهةِ يسمعُ
ومن ناطقٍ يُبدي التكلُّمُ عِيَّهُ ... وقدْ كانَ في الإنصافِ عنْ ذاكَ مَرْبَعُ
ومن ساكتٍ حِلماً على غيرِ ريبةٍ ... ولا سَوْأةٍ من خِزيَةٍ يَتقنَّعُ
وقال الأحوص يمدح عبد العزيز:
أقْوَتْ رُواوَةُ منْ أسماءَ فالسَّنَدُ ... فالسَّهْبُ فالقاعُ من عَيْرَيْنِ فالجُمُدُ
فعرشُ خاخٍ قَفارٍ غيرَ أنَّ بهِ ... ربْعاً أقامَ به نُؤْيٌ ومُنتضَدُ
وسُجَّدٌ كالحماماتِ الجُثومِ بهِ ... ومُلْبدٌ من رمادِ القِدرِ مُلْتَبِدُ
وقدْ أراها حديثاً وهْيَ آهلةٌ ... منها بواطنُ ذاكَ الجِزعِ فالعَقِدُ
إذ الهوى لم يُغيِّرْ شَعْبَ لِيَّتِهِ ... شَكْسُ الخليقةِ ذو قاذورةٍ وحَدُ
يظلُّ وجْداً وإنْ لم أنْوِ رؤيتَهُ ... كأنّهُ إذْ يراني زائراً كَمِدُ
فيا لها خُلّةٌ لو أنّها بهوىً ... منها تُثيبُكَ بالوجْدِ الذي تجِدُ
قامَتْ تُريكَ شَتيتَ النبْتِ ذا أشُرٍ ... كأنّهُ من سَواري صيِّفٍ برَدُ