لَقُونا بدُفّاعٍ كأنَّ أتِيَّهُ ... أتِيُّ فُراتيٍّ يدُقُّ الصواريا
فلمّا رمَيْناهمْ بكلِّ مؤزَّرٍ ... بغُضْفٍ تَخيَّرْنَ الظُّهارَ الخوافيا
على كلِّ عِجزٍ من رَكوضٍ ترى لها ... هِجاراً يُقاسي طائفاً مُتعاديا
مشَيْنا إليهمْ في الحديدِ كأنّنا ... قياسِرُ لاقَتْ بالعَنِيّةِ طالِيا
إذا نحنُ لافَفْناهمُ أخذتْهمُ ... مَخاريقُ لا تُبقي منَ الروحِ باقيا
وقال أبو حيّة أيضاً:
حيِّ الديارَ عِراصُهُنَّ خَوالِ ... بحَمادِ ساقَ رسومُهنَّ بَوالِ
مُحتلُّ أحْوِيَةٍ عليهمْ بهجةٌ ... بسواءِ مُشْرِفةٍ بهمْ مِحْلالِ
فقَأوا بها أُنُفَ الربيعِ وفقَّأوا ... فيها سَوابيَ ما تجِفُّ سِخالِ
فترى المِئينَ منَ العشائرِ حولَهمْ ... وترى مُسَدَّمةً قُرومَ جِمالِ
فإذا غشيْتَهمُ سمعتَ هوادراً ... وصَواهلاً ورأيتَ أحسنَ حالِ
وترى بأفنيةِ البيوتِ مَصنونةً ... جُرْداً يَجُلْنَ معاً بغيرِ جِلالِ
كانوا بها فتقسَّمتْهمْ نِيّةٌ ... شَعواءُ ليسَ زِيالُها كزِيالِ
قذفَتْهمُ فِرَقاً فمنهمْ راكنٌ ... ومُؤَوِّبٌ لهواكَ غيرَ مُبالِ
يا دارُ وَيْبَكِ ما لعهدِكِ بعدَنا ... أأتى عليكِ تَجرُّمُ الأحوالِ
إنْ كانَ غيّرَكِ الزمانُ فلا أرى ... بملاكِ غيرَ خوالدٍ أمثالِ
سُفْع المناكبِ قدْ كُسِينَ مَعرّةً ... من قَدرِ منزلةٍ بغيرِ جِعالِ
فلقدْ أرى بكِ إذْ زمانُكِ صالحٌ ... بِيضاً فواخرَ نعمةٍ وجَمالِ
نُجْلُ العيونِ كأنّما استوْهَبْنَها ... فوهبْنَهُنَّ خواذلَ الآجالِ
قالَ الكواعبُ يومَ أودٍ عمُّنا ... حُيِّيتَ يومَ ردَدْنَ جاه وِصالي
وفزعْنَ من شمَطٍ تَجلَّلَ مَفْرِقي ... حتى علا وضَحٌ كلونِ هلالِ
ولقدْ أناضلُهُنَّ أغراضَ الصِّبا ... خَلَواتِهِنَّ فما تَطيشُ نِبالي
ولقدْ أروحُ على الجوادِ وهكذا ... أمشي وأيَّ تَصرُّعٍ ودلالِ
كالسيفِ يقطُرُ أوْبكُمْ سالَمتَهُ ... وأسِيلَ أمسِ فِرِنْدَهُ بصِقالِ
وتَنُوفةٍ موصولةٍ بتنوفةٍ ... وصْلَيْنِ وصْلَ تَنائفٍ أغفالِ
ترمي مُؤوَّبةً إلى أمثالِها ... غُبرَ الفِجاجِ مَخوفةَ الأهوالِ
كلَّفْتُهُنَّ هِبابَ كلِّ مُبرِّزٍ ... صدَراً وكلَّ نجيبةٍ شِملالِ
صَغواءَ منْ أنَفِ الزِّمامِ قويةٍ ... بعدَ الكَلالِ عتيدةَ الإرْقالِ
وكأنَّ أحبُلَها ومَيْساً قاتراً ... والمرءُ فوقَ مُلمَّعٍ ذَيّالِ
أمسى بحَومَلَ تحتَ طَلِّ مُخِيلَةٍ ... نحَرتْ عشيَّتُها سِرارَ هلالِ
تحبو إليهِ كأنّما أرواقُها ... بُخْيُ العراقِ دلَحْنَ بالأثقالِ
باتَتْ تُكَفَّى وجهَهُ مأمورةٌ ... خَيْرى مُفرَّغةٌ بغيرِ دَوالِ
حتى إذا انصدعَ العمودُ كأنّهُ ... هادي أغرَّ جرى بغيرِ جِلالِ
وغدا تلألأُ صفحَتاهُ كأنّهُ ... مصباحُ في دُبُرِ الظلامِ ذُبالِ
غاداهُ مُهتلِكٌ ترى أطمارَهُ ... يَهفونَ عاقدَ شَطرِهِ بعِقالِ
يسعى بمُغْفَلَةٍ قَواضٍ ساقَها ... ريشُ الظُّهارِ وزَمَّها بنِصالِ
ومصونةٍ دُفعتْ فلمّا أدبرتْ ... رُدَّتْ طوائفُها على الإقبالِ
خُطمتْ بأسمرَ من نواشرَ نأملُّها ... فيهِ كنأمِ مُصابةٍ مِثْكالِ
ومُغَرَّثاتٍ قد طُوِينَ كأنّها ... لمّا غدتْ وغدا أراقمُ ضالِ
فانصاعَ حينَ رأى البصيرةَ يحتذي ... منهُ أكارعَ ما لهُنَّ توالي
لا يأتَلي يدعُ الرِّقاقَ كأنّهُ ... في السابِريِّ وهنَّ غيرُ أوالي
جعلَ الصَّبا في مَنخِرَيْهِ كأنّهُ ... مِرِّيخُ فَوتَ لُحِيِّهِنَّ مُغالِ
حتى إذا انقطعَتْ بهِ في فِقْرةٍ ... وبهنَّ مَيْعةُ شاهدٍ ومِطالِ
ولهثْنَ كَرَّ مُغامرٌ ذو نجدةٍ ... يحمي ويَشرُكُ كلَّ إربةِ حالِ
يحمي ويطرحُهُنَّ غيرَ مُكذِّبٍ ... طرْحَ المُفيضِ رِبابةَ الأنفالِ
ألفَيْنَهُ ذَرِبَ السلاحِ مقاتلاً ... وأردْنَ ولْغَ دمٍ بغيرِ قتالِ