فلمّا انجلَتْ عنهُ غياطلُ ليلةٍ ... منَ الدَّجنِ فيها حَثّةٌ وفُتورُ
غدا غدَوِيٌّ فوقَ عينَيْهِ شِكّةٌ ... كِلا مِغولَيْهِ اللَّهْذَمَيْنِ ضريرُ
منَ العينِ تدعوهُ الرياحُ كأنّهُ ... فَتيقٌ بهِ مما ألمَّ فُدورُ
وغاداهُ من جِلاّنَ ذئبُ مجاعةٍ ... شقيٌّ بهِ ضارورةٌ وفُقورُ
لهُ طلّةٌ شابَتْ وما مس جيبَها ... ولا راحتَيْها الشَّثْنَتَيْنِ عبيرُ
لَدُنْ فُطمتْ حتى علا كلَّ مَفرِقٍ ... لها من سِنِيها الأربعينَ قَتيرُ
كأنَّ ذراعَيْها وظِيفا نعامةٍ ... ووجهٌ لها لا ماءَ فيهِ نَكيرُ
ولَحْيانِ لا ينفكُّ في ناجِذَيْهِما ... أنِيضٌ شَوتْهُ شهوةً وقديرُ
إذا غابَ أو لم يغْدُ يوماً فإنّها ... بكلبَيْهِ مِغباشُ الغُدوِّ بَكورُ
ولمّا انجلى قبلَ الغُطاطِ انبرَتْ لهُ ... مَراريخُ في أعناقِهنَّ سُيورُ
فلمّا رأى ذاكَ الشقيُّ الذي غدا ... بغُضْفٍ لهُ زُرقٌ لهنَّ جَفيرُ
هِجاناً رأى منهُ على الشمسِ نُقْبةً ... تكادُ وإنْ جَنَّ الظلامُ تُنيرُ
وقاهُ بأمثالِ المَغالي كأنّها ... بأجنحةٍ فيها إليهِ تطيرُ
جلا عن مآقيها وعن حَجَباتِها ... خراطيمُ فيها دِقّةٌ وخصورُ
فدَأَبْنَهُ مِيلَيْنِ ثمَّ نزعْنَهُ ... إليهنَّ إذْ شُؤبوبهنَّ مَطيرُ
ليأخذْنَهُ أخذاً عنيفاً وأخْذُهُ ... عليهنَّ إلاّ أن يحينَ عسيرُ
إذا كُنَّ جَنبَيْهِ وكنَّ أمامَهُ ... ودُرْنَ بهِ لمْ يعيَ كيفَ يدورُ
يكُرُّ فيحمي عورةً لا يُضِيعُها ... وذو النجدةِ الحامي الكريم كَرورُ
يُخرِّقُ في آباطِهنَّ بلَهذمٍ ... يَطِرُّ إذا أمكَنَّهُ فيَغورُ
وبالكُرهِ ما يحنو لهنَّ وإنّهُ ... لمُستهزَمٌ لو يستطيعُ فَرورُ
لهُ في خَبارِ الهُبْرِ وثْبٌ إذا أتى ... عليهِ ونقْعٌ بالرَّقاقِ ذَميرُ
فتلكَ التي شبَّهتُ ذاكَ وقد جرتْ ... على سررٍ هِيفٍ لهنَّ ضُفورُ
نجاةٌ برى عنها عتيقٌ أثارَهُ ... سُرىً ورواحٌ مُغبِطٌ وبُكورُ
وأبلحَ عاتٍ لا يؤدّي أمانةً ... عليهِ ولاقاهُ عليهِ أميرُ
أقمتُ الصَّغا وأخدعَيْهِ بضربةٍ ... لها تحتَ بينِ المنكِبَيْنِ هديرُ
وقال أبو حية:
ألا يا نْعَمي أطلالُ خنساءَ وانْعمي ... صباحاً وإمساءً وإنْ لم تَكلَّمي
ولا زلتِ في أرواقِ واهيةِ الكُلى ... هَتُولٍ متى تُبْسِسْ بها الريحُ تُرزِمِ
عهدْنا بها الخنساءَ أيامَ ما ترى ... لخنساءَ مِثلاً والنَّوى لم تَخرَّمِ
وخنساءُ مِخماصُ الوِشاحَيْنِ خَطْوُها ... إلى الزوجِ أقتارٌ خُطى المُتجشِّمِ
ينوءُ بخَصْرَيْها إذا ما تأوَّدتْ ... نقا عُجمةٍ في صَعدةٍ لم تُوصَّمِ
خليليَّ من دونِ الأخلاّءِ قد ونَتْ ... عصا البينِ هلْ في البَينِ من مُتكلِّمِ
ألِمّا نُسائلْ قبلَ أن ترمي النَّوى ... بنافذةٍ نَبْضَ الفؤادِ المُتيَّمِ
يقفْ عاشقٌ لم يبقَ من روحِ نفسِهِ ... ولا عقلِهِ المسلوبِ غيرَ التوهُّمِ
وما تركَ اللائي يُرَيِّشْنَ صِيغةً ... هيَ الموتُ من لحمٍ عليهِ ولا دمِ
إذا هنَّ أحْذَيْنَ المراوِدَ بعدَما ... رقَدْنَ إلى قرنِ الضحى المُتجرِّمِ
عيونُ المها أو مثلَها سقطَتْ لها ... وأعيُنُ أرآمٍ صَرائدَ أسهُمِ
كما أصردَتْ حِضنَيْ جميلٍ وقبلَهُ ... عُرَيَّةَ والبَكّاءةَ المُترنَّمِ
رمتْهُ أناةٌ من ربيعةِ عامرٍ ... نَؤومُ الضحى في مأتمٍ أيَّ مأتمِ
وجاءَ كخَوطِ البانِ لا مُتتَرِّعاً ... ولكنْ بخلْقَيْهِ وقارٍ ومِيسَمِ
فقالَ صباحٌ قُلنَ غيرَ فواحشٍ ... صباحاً وما إنْ قلنَ غيرَ التذمُّمِ
فأنشدَ مشعوفاً بهندٍ وأهلِها ... نشيداً كخُشّابِ العراقِ المُنظَّمِ
وقُلنَ لها سرّاً وقَيْناكِ لا يَرُحْ ... صحيحاً وإنْ لم تقتليهِ فألْمِمي
فأدنَتْ قناعاً دونَهُ الشمسُ واتَّقتْ ... بأحسنِ موصولَيْنِ كفٌّ ومِعصَمِ