فلا تنزلُوا من رأسِ رهوةَ داركمْ ... إلى خربٍ لا تمسكُ السَّيلَ أثلَما
أناسٌ إذ حلَّتْ بواٍد بيوتهمْ ... نفى الطَّيرَ حتَّى لا ترى الطَّيرُ مجثَما
تظلِّلُ منْ شمسِ النَّهارِ رماحهمْ ... إذا ركزَ القومُ الوشيجَ المقوَّما
ترى كلَّ لونِ الخيلِ وسطَ بيوتهمْ ... أبابيلَ تعدُو بالمتانِ وهيَّما
وذي عزَّةٍ أنذرنهُ من أمامهِ ... فلمَّا عصاني في المضاءِ تندَّما
فودَّ بضاحي جلدهِ لوْ أطاعني ... إذا زلَّ واعروْرى بهِ الأمرُ معظَما
وفرَّقَ بينَ الحيِّ بعدَ اجتماعهمْ ... مشائيمُ دقُّوا بينهمْ عطرَ منشِما
غواةٌ كنيرانِ الحريقِ تسوقهُ ... شآميَّةٌ في حائلِ العربِ أصحَما
إذا ألهب من جانبٍ باخَ شرُّهُ ... ذكا لهبٌ من جانبٍ فتضرَّما
وفي النَّاسِ أذرابٌ إذا ما نهيتهمْ ... عنِ الشَّرِّ كالنُّشَّابِ ينزعُ مقدِما
جزى اللهُ قومي منْ شفيعٍ وطالبٍ ... عنِ الأصلِ والجاني ربيعاً وأنعُما
ولوْ أنَّ قومي يقبَل المالُ منهمُ ... لمدُّوا النَّدى سيلاً إلى المجدِ مفعَما
لما عدموا منْ نهشلٍ ذا حفيظةٍ ... بصيراً بأخلاقِ امرئ الصِّدقِ خضرِما
حمولاً لأثقالِ العشيرَة بينَها ... إذا أجشموهُ باعَ مجدٍ تجشَّما
ولكنْ أبى قومٌ أصيبَ أخوهمُ ... رُقى النَّاس واختاروا على اللَّبنِ الدَّما
أرى قومَنا يبكونَ شجوَ نفوسهمْ ... وقدْ بعثُوا منَّا كذلكَ مأتَما
على فاجعٍ هدَّ العشيرةَ فقدهُ ... كرورٍ إذا ما فارسُ الشَّدِّ أحجَما
فإذا جلَّتِ الأحداثُ وانشقَّتِ العصا ... فولَّى الإلهُ اللَّومَ منْ كانَ ألوما
وقال نهشل أيضاً:
أجدَّكَ شاقتكَ الرُّسومُ الدوارسُ ... بجنبيْ قَساً قدْ غيَّرتْها الرَّوامِسُ
فلمْ يبقَ منها غيرُ نؤيٍ نباهُ ... منَ السَّيلِ العذارَى العوانِسُ
وموقدُ نيرانٍ كأنَّ رسومَها ... بحولينِ بالقاعِ الجديدِ الطّيالِسُ
لياليَ إذْ سلمى بها لك جارةٌ ... وإذْ لمْ تخبِّرْ بالفراقِ العواطِسُ
لياليَ سلمى درَّةٌ عندَ غائصٍ ... تضيءُ لكَ الظَّلماءَ واللَّيلُ دامِسُ
تناولَها في لجَّة البحرِ بعدَما ... رأى الموتَ ثمَّ احتالَ حوتٌ مغامِسُ
فجاءَ بها يُعطي المنَى مِن ورائها ... ويأبَى فيُغليها على منْ يماكِسُ
إذا صدَّ عنها تاجرٌ جاءَ تاجرٌ ... مِن العجمِ مخشيٌّ عليهِ النَّقارِسُ
يسومونهُ خلدَ الحياةِ ودونَها ... بروجُ الرُّخامِ والأسودُ الحوارِسُ
وما روضةٌ مِن بطنِ فلجٍ تعاونتْ ... لها بالرَّبيعِ المدجِناتِ الرَّواجِسُ
حمتْها رماحُ الحربِ واعتمَّ نبتُها ... وأعشبَ ميثُ الجانبينِ الرَّوائِسُ
بأحسنَ من سلمى غداةَ انبرَى لنا ... بذاتِ الآزاءِ المرشقاتُ الأوانِسُ
نواعمُ لا يسألنَ حيّاً ببثِّهِ ... عليهنَّ حليٌ كاملٌ وملابسُ
لنا إبلٌ لم نكتسبْها بغدرةٍ ... ولمْ يغنَ مولاها السِّنونُ الأحامِسُ
نحلِّئها عنْ جارِنا وشرِيبنا ... وإن صبَّحتنا وهي عوجٌ خوامِسُ
ويحبسُها في كلِّ يومِ كريهةٍ ... وللحقِّ في مالِ الكريمِ محابِسُ
وحتَّى تريحَ الذَّمَّ والذَّمُّ يتَّقى ... ويروى بذاتِ الجمَّةِ المتغامِسُ
فتصبحُ يومَ الوردِ غلباً كأنَّها ... هضابُ شروْرى مسنفاتٌ قناعِسُ
تساقطُ شفَّانَ الصَّبا عنْ متونِها ... لأكتافِها منَ الخميلِ برانِسُ
تلبَّطُ ما بينَ الثَّماني وقلهبٍ ... بحيثُ تلاقى خمصهُ المتكاوِسُ
يصدُّ العدَى عنها فتوٌّ مساعرٌ ... وتركبُ عوفٌ دونَها ومقاعِسُ
بكلِّ طوالِ السَّاعدينِ شمردلٍ ... غلا جسمهُ واشتدَّ منهُ الأباخِسُ
بأيديهم في كلِّ يومٍ كريهةٍ ... على الأعوجِياتِ الرِّماحُ المداعِسُ
وقال نهشل يرثي أخاه مالكاً، وهو المخوَّل:
ذكرتُ أخي المخوَّلَ بعدَ يأسٍ ... فهاجَ عليَّ ذكراهُ اشتياقي
فلا أنْسى أخي ما دمتُ حيّاً ... وإخواني بأقريةِ العناقِ