ما في الحداةِ إذا شدُّوا مآزرهمْ ... عنها توانٍ ولا في السَّيرِ تهوِيدُ
يظلُّ مِن حرِّها الحرباءُ مرتبئاً ... كأنَّه مسلمٌ بالجرمِ مصفُودُ
يخلطنَ ماءً مِن الماءينِ بينَهما ... خرقٌ تكلُّ بهِ البزلُ المقاحِيدُ
مِن كلِّ حلسٍ غداةَ الخمسِ يلحقُها ... قلبٌ وطرفٌ حذارَ السَّوطِ مزؤُودُ
قوداءُ مائرةُ الضَّبعينِ نسبتُها ... في سرِّ أرحبَ أو تَنمي بها العِيدُ
ظلَّتْ تقيسُ فروجَ الأرضِ لاهيةً ... كما يقاسُ سجيلُ الغزلِ محدُودُ
كأنَّها فاقدٌ ورهاءُ مدرعُها ... مشقَّقٌ عنْ بياضِ النَّحرِ مقدُودُ
تشلُّ في الجلبِ مِن قلبِ العشيِّ كما ... تمتلُّ درِّيَّةٌ والصَّحوُ ممدُودُ
ذو أربعٍ يكلأُ الأشباحَ مقتفرٌ ... للأرضِ ينفضُها لاهٍ ومنهُودُ
حتَّى أُنيختْ بهجرٍ بعدما نجدتْ ... وقدْ تلظَّى مِن الحرِّ الجلامِيدُ
وقدْ تحسَّرَ من عضِّ القتودِ بها نيٌّ ... ونخصٌ على الأثباجِ منضُودُ
يا نضْل لا يوقعنَّ البغيُ بعضكمُ ... في محصدٍ حبلهُ للشَّرِّ ممدُودُ
فقدْ يهيجُ كبيرَ الأمرِ أصغرهُ ... حتَّى يكونَ لهُ صوتٌ وتفنِيدُ
أما يزالُ على غشٍّ يهيجكمُ ... أبناءُ شانئةٍ أكبادهمْ سُودُ
لا يفزعونَ إذا ما الأمرُ أفزعكمْ ... ولن ترَوهمْ إذا ما استُمطر الجُودُ
أمسَوا رؤوساً وما كانتْ جدودهمُ ... يُرأَّسونَ ولا يأبَونَ إنْ قيدُودُا
فقدْ بلاني منَ الأقوامِ قبلكُم ... جمعُ الرِّجالِ القُرابى والمواحِيدُ
فأقصروا وبهمْ ممَّا فعلتُ بهمْ ... وسمٌ علوبٌ وآثارٌ أخادِيدُ
قطَّعتُ أنفاسهمْ حتَّى تركتهمُ ... وكلُّهمْ من دخيلِ الغيظِ مفؤُودُ
فأصبحوا اليومَ منزوراً مودَّتهمْ ... كرهاً كما سيفَ بعدَ الرَّأمِ تجلِيدُ
لوْ قالَ ذو نصحكُم يوماً لجاهلكمْ ... عن حيَّةِ الأرضِ لا يشقوا بهِ حيدوا
ذوَّحتُ عن فقعسٍ حتَّى إذا كفحتْ ... عنها القرومُ منَ النَّاسِ الصَّنادِيدُ
وهابَ شرِّيَ مَن يُبدي عداوتهُ ... كما يحاذرُ ليثَ الغابةِ السِّيدُ
أرادَ جهَّالها أن يقرِموا حسَبي ... وفيَّ عنْ حسَبي ذبٌّ وتذوِيدُ
هلْ تعلمونَ بلائي حينَ يرهقكمْ ... يومٌ يعدُّ منَ الأيَّامِ مشهُودُ
عندَ الحفاظِ إذا ما الرِّيقُ أيبسهُ ... ضيقُ المقامِ وهيبَ العصبةُ الصِّيدُ
إنِّي امرؤٌ لمدَى جرْيي مطاولةٌ ... يقصِّرُ الوغلُ عنها وهوَ مجهُودُ
ومَن تعرَّضَ لي منكمْ فموعدهُ ... أقصى المدى فاقْصروا في الجريِ أوْ زيدوا
إنِّي لتُعرفُ دونَ الخيلِ ناصيَتي ... إذا تلعَّبتِ الخيلُ القرادِيدُ
وقال الكميت:
ماذا تذكَّرُ مِن هنيدةَ بعدَما ... قطعَ التَّجنُّب هاجَ مَن يتذكَّرُ
وسعى الوشاةُ فأنجحُوا وتغيَّرتْ ... وتعهَّدوا ودِّي فما أتغيَّرُ
ورأى الذي طلبَ الوشايةَ منهمُ ... ما كنتَ مِن بححِ الصَّبابةِ تحذَرُ
كدتَ العشيرةَ تعتريكَ صبابةٌ ... لوْ أنَّ مثلكَ في الصَّبابةِ يعذرُ
وأرتكَ مِن أهلِ الجواءِ ودونَها ... عرضُ الكُثابِ فمُسحلانُ فعرعَرُ
ومحلُّها روضُ الجواءِ فصارةٌ ... فالواديانِ لأهلِها متديّرُ
ولها إذا رمضَ الجنادبُ والحصى ... بالوابشيَّةِ أو بجرثمَ محضَرُ
ولقدْ جرى لكَ لوْ زجرتَ ممرَّهُ ... بممرِّها حرقُ القوادمِ أعوَرُ
شئمٌ أتاكَ عنِ الشَّمالِ كأنَّهُ ... حنقٌ عليكَ ببينِها مستبشرُ
قطعَ الهوى ألاّ أزالَ بقفرةٍ ... يطوي أقاصيها هبلٌّ مجفَرُ
أوْ رسلةٌ تقصُ الحزومَ كأنَّها ... طاوٍ تريَّعَ بالسَّليلةِ مقفرُ
تُضحي إذا ما القومُ كمَّشَ حادهمْ ... سيرٌ بأجوازِ الفلاةِ عذوَّرُ
صعراءُ ناجيةٌ يظلُّ جديلُها ... وهِلاً كما هربَ الشُّجاعُ المنفَرُ
وكأنَّ خلفَ حجاجِها مِن رأسِها ... وأمامَ مجمعِ أخدعَيها قهقَرُ
بل أيُّها الرَّجلُ المعرِّضُ نفسهُ ... وبِما تفاخرُني وما لكَ مفخَرُ