فإذا النعيمُ وكلُّ ما يلْهى بهِ ... يوماً يصيرُ إلى بلًى ونفادِ
في آلِ غرفٍ لو بغيتِ ليَ الأسَى ... لوجدتِ فيهمْ أسوةَ العدادِ
ما بعدَ زيدٍ في فتاةٍ فرقُوا ... قتلاً ونفياً بعدَ حسن تآدِي
فتخيروا الأرضَ الفضاءَ لعزهِمْ ... ويزيدُ رافدهمْ على الرفادِ
إما تريني قدْ بليتُ وغاضني ... ما نيلَ من بصرِي ومنْ أجلادِي
وعصيتُ أصحابَ البطالةَ والصبا ... وأطعتُ عاذلتي وذلَّ قيادي
فلقد أروحُ على التجارِ مرجلاً ... مذلاً بمالي ليناً أجيادِي
ولقد لهوتُ وللشبابِ بشاشةً ... بزجاجةٍ مزجتْ بماءِ غوادي
منْ خمرِ ذي نطفٍ أغنَّ منطقٍ ... وافَى بها لدارهِمِ الأسجادِ
يسعى بها ذو تؤمتين مقرطقٌ ... قنأتْ أناملُهُ من الفرصادِ
والبيضُ تمشي كالبُدُورِ وكالدمى ... ونواعم يمشين بالأرفادِ
والبيضُ يرمينَ القلوب كانها ... أدحيُّ بين صريمة وجمادِ
ينطقنَ معروفاً وهنَّ نواعمٌ ... بيضُ الوجوه نواعُم الأجسادِ
ينطقنَ مخفوضَ الحديثِ تهامُساً ... فبلغنَ ما حاولْنَ غيرَ تنادِي
ولقدْ غدوتُ لعازِبٍ متناذرٍ ... أحوى المذانبِ مؤنقِ الروادِ
جادتْ سواريهِ وآزَرَ نبتهُ ... نفأٌ من الصفراءِ والزبادِ
بالجوِّ فالأمراتِ حولَ مغايرٍ ... فبضارجٍ فقصيمةِ الطرَّادِ
بمشمرٍ عتدٍ جهيرِ شدهُ ... قيدِ الأوابدِ والرهانِ جوادِ
يشوي لنا الوحَدَ المدلَّ بحضرهِ ... بشريجِ بينَ الشدِّ والإيرادِ
ولقدْ تلوْتُ الظاعينينَ بجسرةٍ ... أُجُدٍ مهاجرةِ السقابِ جمادِ
عيرانةٍ سدَّ الربيعُ خصاصَها ... ما يستبينُ بها مقيلُ قرادِ
فإذا وذلك لا مهاةَ لذكرهِ ... والدهرُ يعقبُ صالحاً بفسادِ
وقال أيضاً: البسيط
هل بالمنازلِ إنْ كلمتها خرسُ ... أمْ ما بيانُ أثافٍ بينَها قبسُ
كالكحلِ أسودَ لأياً ما يكلمنا ... مما عفاهُ سحابُ الصيفِ الرجُسُ
جرتْ بها الهيفُ أذيالاً مظاهرةً ... كما يجرُّ ثيابَ الفوةِ العرُسُ
والمالكيةُ قد قالتْ حكمتُ وقدْ ... تشقَى بكَ الناقةُ الوجناءُ والفرسُ
فقلتُ إنْ أستفدْ حلماً وتجربةً ... فقد ترددَ فيكَ البخلُ والألسُ
وقدْ يقصرُ عني السيرَ آوانةً ... بويزلٌ سهوةُ التبغيل أو سدسُ
وجناءَ يصرفُ ناباها إذا ضمرتْ ... كما تخمطَ فحلُ الصرمةِ الضرسُ
لأياً إذا مثلَ الحرباءُ منتصبَّاً ... منَ الظهيرةِ يثني جيدَها المرسُ
تُلقي على الفرجِ والحاذين ذا خُصلٍ ... كالقنوِ أعنقَ في أطرافهِ العبسُ
كأنها ناشِطٌ هاجَ الكلابُ بهِ ... من وحشِ خطمة في عرنينهِ خنسُ
باتتْ عليهِ منَ الجوزاءِ أسميةٌ ... وظلَّ بالسبطِ العامِيّ يمترسُ
ثمَّ أتى دفَّ أرطاةٍ بمحنيةٍ ... منَ الصريمةِ أواهُ بها الدلسُ
منبوذةٍ بمكانٍ لا شعارَ بهِ ... وقد يصادفُ في المجهولةِ اللمسُ
عبريةٌ بينَ أنقاءٍ حبونَ لها ... من الصريمةِ أعلى تربها دهسُ
فاجتابها وهو يخشى أن يُلِطَّ بهِ ... خوفٌ على أنفهِ والسمعُ محترسُ
يبري عروقاً ويبدي عنْ أسافِلها ... كما تلينُ للخرازَةِ الشرسُ
حتى إذا ما انجلَتْ ظلماءُ ليلتهِ ... عندَ الصباحِ ولم يستوعب الغلسُ
ومار ينفضُ روقيهِ ومتنتهُ ... كما تهزهزَ وقفُ العاجةِ السلِسُ
هاجتْ بهِ فئةٌ غضفٌ مخرجةٌ ... مثلُ القداحِ على أرزاقِها عبسُ
وفاجأتهُ سرايا لا زعيمَ لها ... يقدمنَ أشعثَ في ماريَّةٍ طلسُ
معصَّباً من صباحٍ لا طعام لهُ ... ولا رعيةَ إلاَّ الطوفُ والعسسُ
فكرَّ يحمي بروقيهِ حقيقتهُ ... بهِ عليهنَّ إذْ أدركنهُ شمسُ
ما إنْ قليلاً تجلَّى النقعُ عن سبدٍ ... وزارِعٍ غيرَ ما إنْ صادَ منبجسُ
ومنْ دفاقٍ تحيتَ الجنبِ نافذةٌ ... حمراءُ يخرجُ من حافاتِها النفسُ
ثمَّ تولَّى خفيفاتٍ قوائمهُ ... بالسهلِ يطفوْ وبالصحراءِ يملسُ