فجئنَ فأوجسنَ من خشيةٍ ... ولم يعترفنَ بنفرٍ يقينَا
وتُلقي الأكارِعَ في باردٍ ... شهيٍّ مدافنهُ يشتفينَا
يبادرنَ جرعاً يواثرنهُ ... كقرعِ القليبِ حصى الحاذفِينَا
فأمسك ينظر حتى إذا ... دنونَ منَ الريِّ أو قد روينَا
تنحَّى بصفراءَ منْ نَبْعةٍ ... على الكفِّ تجمعُ أرزاً ولينَا
مغذاً على عجسها مرهفاً ... فتيقَ الغرارينِ حشراً سنينَا
فأرسلَ سهماً على فقرةٍ ... وهنَّ شوارِعُ ما يتقينَا
فمرَّ على نحرِهِ والذِّراعِ ... ولمْ يكُ ذاكَ لهُ الفِعلُ دينَا
فلهَّفَ مِنْ حسرةٍ امَّهُ ... وولينَ من رَهَجٍ يكتسينَا
تهادَى حوافِرهنَّ الحَصَى ... وصمُّ الصخورِ بها يرتَمينَا
فقلقلَهنَّ سراةَ العِشَاءِ ... أسرعَ منْ صدرِ المصدِرينَا
يزرُّ ويلفظُ أوبارَهَا ... ويقرُو بهنَّ حزوناً حزونَا
فأصبحَ بالجزْعِ مستجذِلاً ... وأصبحنَ مجتمعاتٍ سكونَا
وتحسبُ بالفجرِ تعشيرهُ ... تغردَ أهوجَ مِنْ مُنتَشِينَا
وقال كعب أيضاً: الطويل
أمِنْ أمِّ شدادٍ رسومُ المنازلِ ... توهمتُها منْ بعدِ سافٍ ووابلِ
وبعدَ ليالٍ قدْ خلونَ وأشهرٍ ... على إثرِ حولٍ قد تجرمَ كاملِ
أرى أمَّ شدادٍ بها شبهَ ظبيةٍ ... تطيفُ بمكحولِ المدامعِ خاذلِ
أغنَّ غضيض الطرفِ رخصٍ ظلوفهُ ... ترودُ بمعتمٍّ من الرِّملِ هائلِ
وترنو بعينيْ نعجةٍ أمّ فرقَدٍ ... تظلُ بوادي روضةٍ وخمائلِ
وتخطُو على برديتينِ غذاهمَا ... أهاضيبُ رجافِ العشياتِ هاطلِ
وتفترُّ عنْ عذبِ الثنايا كأنهُ ... أقاحٍ تروَّى منْ عروقٍ غلاغلِ
لياليّ تحتلُّ المراضَ وعيشُنا ... غريرٌ ولا نُرعي إلى عذلِ عاذلِ
فأصبحتُ قد أنكرتُ منها شمائلاً ... فما شئتَ من بخلٍ ومن منعِ نائلِ
وما ذاكَ من شيءٍ أكونُ اجترمتُه ... سوى أن شيباً في المفارقِ شاملي
فإن تصرميني ويبَ غيرك تُصرَمي ... وأوذِنْتِ إيذانَ الخليطِ المزايلِ
ومستهلكٍ يهدي الضَّلولَ كأنَّه ... حَصيرٌ صَناعٌ بينَ أيدِي الرواملِ
متى ما تشأْ تسمعْ إذا ما هبطته ... تراطُنَ سربٍ مغربَ الشمسِ نازِلِ
روايا فراخٍ بالفلاةِ توائمٍ ... تحطمُ عنها البيضُ حمرِ الحواصلِ
توائمَ أشباهٍ بغيرِ علامةٍ ... وضعنَ بمجهولٍ من الأرضِ خاملِ
وخرقٍ يخافُ الرَّكبُ أن يدلجُوا بهِ ... يعضونَ منْ أهوالِهِ بالأَناملِ
مخوفٍ به الجنانُ تعوي ذئابُهُ ... قطعتُ بفتلاءِ الذراعَيْنِ بازلِ
صموتِ البُرَى خرساءَ فيها تلفتٌ ... لنبأَةِ حقٍّ أو لتشبيهِ باطلِ
تظلُّ نسوعُ الرَّحلِ بعد كلالِها ... لهنّ أطيطٌ بين جوزٍ وكاهلِ
رَفيعِ المحالِ والضلوعِ نمتْ بها ... قوائمُ عوجٌ ناشزاتُ الخصائلِ
تجاوبُ أصدَاءً وحيناً يرومُها ... تضوُّرُ كسابٍ على الرَّحْلِ عائلِ
عذافرةٍ تختالُ بالردفِ حرةٍ ... تبارِي قلاصاً كالنعامِ الجوافلِ
بوقعٍ دراكٍ غيرِ ما متكلفٍ ... إذا هبطَت وعْثاً ولا متخاذِلِ
كأنَّ جريرِي ينتحي فيهِ مسحَلٌ ... منَ الحمرِ بينَ الأنعمين فعاقلِ
يغردُ في الأرضِ الفضاءِ بعانةٍ ... خماصِ البطونِ كالصعادِ الذوابلِ
يطردُ عنها بالمصيف جحاشها ... فقد قلصت أطباؤها كالمكاحلِ
يظلُّ سراةَ اليومِ يبرمُ أمرهُ ... برابيةِ البحاءِ ذاتِ الأعابلِ
وهمَّ بوردٍ بالرُّسيسِ فصدَّهُ ... رجالٌ قعودٌ في الدجى بالمعابلِ
إذا وردتْ ماءً بليلٍ تعرضتْ ... مخافةَ رامٍ أو مخافةَ حابِلِ
كأنَّ مدَهدَا حنظلٍ حيثُ سوفَتْ ... بأعطانِها منْ لسِّها بالجحافلِ
وقال كعب يمدح أمير المؤمنين علياً عليه السلام وكانت بنو أمية تنهي عن روايتها وإضافتها إلى شعره أنشدنيها ابن خطاب صاحب الخبر وكان أديباً من غلمان أبي زكريا التبريزي: البسيط
هلْ حبلُ رملةَ قبلَ البينِ مبتورُ ... أمْ أنتَ بالحلمِ بعدَ الجهلِ معذورُ