قال أبو عمر الشيباني كان جران العود والرحال النميري خدنين تبيعين ثم إنهما تزوجا فلم يحمدا ما لقياه فقال جران العود:
ألا لا يغرَّنَّ امرءاً نوفليَّةٌ ... على الرَّأسِ بعدي أو ترائبُ وضَّحُ
ولا فاحمٌ يُسقى الدّهانَ كأنَّه ... أساودَ يزهاها لعينكَ أبطحُ
وأذنابُ خيلٍ عُلِّقت من عقيصةٍ ... ترى قرطَها من تحتها يتطوَّحُ
فإنَّ الفتى المغرورَ يُعطي تلادهُ ... ويُعطي المنى من مالهِ ثمَّ يفضحُ
ويغدو بمسحاجِ كأنَّ عظامها ... محاجنُ أعراها اللحاءُ المشبَّحُ
إذا ابتزَّ منها الدِّرعُ قيلَ مطَّردٌ ... أحصُّ الذُّنابى والذِّراعينِ أرسحُ
فتلكَ التي حكَّمتُ في المالِ أهلها ... وما كلُّ مبتاعٍ من النَّاسِ يربحُ
تكونُ بلوذِ القرنِ ثمَّ شمالُها ... أحثُّ كثيراً منْ يميني وأسرحُ
جرتْ يومَ رُحنا بالرِّكابِ نزفُّها ... عقابٌ وشحَّاجٌ من الطَّيرِ متيحُ
فأمَّا العقابُ فهي منَّا عقوبةٌ ... وأمَّا الغرابُ فالغريبُ المطرَّحُ
عقابٌ عبنقاةٌ ترى منْ حِذارها ... ثعالبَ أهوى أو أشاقرَ تضبحُ
لقد كانَ لي عنْ ضرَّتينِ عدمْنني ... وعمَّا أُلاقي منهما متزحزحُ
هي الغولُ والسِّعلاةُ حلقي منهما ... مخدَّشُ ما بينَ التَّراقي مجرِّحُ
لقدْ عاجلتْني بالنِّصاءِ وبيتُها ... جديدٌ ومن أثوابِها المسكُ ينفحُ
إذا ما انتصينا فانتزعتُ خِمارها ... بدا كاهلٌ منها ورأسٌ صمحمحُ
تداورُني في البيتِ حتَّى تكبُّني ... وعينيَ من نحو الهراوةِ تلمحُ
وقد عوَّذتني الوقذَ ثمَّ تجرُّني ... إلى الماءِ مغشيّاً عليَّ أرنَّحُ
ولم أرَ كالموقوذِ تُرجى حياتهُ ... إذا لم يرعْهُ الماءُ ساعةَ يُنضحُ
أقولُ لنفسي أينَ كنتُ وقد أرى ... رجالاً قياماً والنِّساءُ تسبِّحُ
أبالغورِ أم بالجلسِ أم حيثُ تلتقي ... أماعزُّ من وادي بُريكٍ وأبطحُ
خُذا نصفَ مالي واتركا لي نصفَهُ ... وبِينا بذمٍّ فالتغرُّبُ أروحُ
فيا ربِّ قد صانعتُ حولاً مجرَّماً ... وصانعتُ حتَّى كادتِ العينُ تمصحُ
وراشيتُ حتَّى لو يكلِّفُ رشوتي ... خليجٌ من المرَّارِ قد كادَ ينزحُ
أقولُ لأصحابي أُسرُّ إليهم ... ليَ الويلُ إنْ لم تجمحا كيفَ أجمحُ
أأتركُ صبياني وأهلي وأبتغي ... معاشاً سواهُمْ أمْ أكرُّ فأُذبحُ
أُلاقي الخنا والبرحَ منْ أمِّ خارمٍ ... وما كنتُ ألقي من رزينةَ أبرحُ
تصبِّرُ عينيْها وتعصبُ رأسَها ... وتغدو غدوَّ الذيبِ والبومُ تضبحُ
ترى رأسَها في كلِّ مبدًى ومحضرٍ ... شعاليلَ لم يمشطْ ولا هو يسرحُ
وإنْ سرَّحتهُ فهو مثلُ عقاربٍ ... تشولُ بأذنابٍ قصارٍ وترمحُ
تخطَّى إليَّ الحاجزينَ مدلَّةً ... يكادُ الحصى منْ وطئِها يترضَّحُ
كنازٌ عفرناةٌ إذا لحقتْ بهِ ... هوى حيثُ تُهويهِ العصا يتطوَّحُ
لها مثلُ أظفارِ العقابُ ومنسمٌ ... أزجُّ كطنبوبُ النَّعامةِ أروحُ
إذا انفلتتْ منْ حاجزٍ لحقتْ بهِ ... وجبهتُها من شدَّةِ الغيظِ تنتحُ
وقالتْ تبصَّرْ بالعصا أصْلُ أُذنهُ ... لقدْ كنتُ أعفو عن جرانٍ وأصفحُ
فخرَّ وقيذاً مُسلحبَّاً كأنَّه ... على الكسرِ صبعانٌ تعقَّرَ أملحُ
ولمَّا التقينا غدوةً طارَ بينَنا ... سِبابٌ وقذفٌ بالحجارةِ مطرحُ
أجلِّي إليها من بعيدٌ فأتَّقي ... حجارَتها حقّاً ولا أتمزحُ
تشجُّ طنابيبي إذا ما اتَّقيتُها ... بهنَّ وأُخرى في الذُّؤابةِ تنفحُ
أتانا ابنُ روقٍ يبتغي اللهوَ عندنا ... فكادَ ابنُ روقٍ في السَّراويلِ يسلحُ
وأنقذَني منا ابنُ روقٍ وصوتُها ... كصوتِ علاة القين صلبٌ صميدحُ
وولَّى بهِ رأدُ اليدينِ عظامهُ ... على دفقٍ منها موائرُ جنَّحُ
ولسنَ بأسواءٍ فمنهنَّ روضةٌ ... تهيجُ الرِّياضَ غيرها لا تصوِّحُ
جماديَّةٌ أحمى حدائقَها النَّدى ... ومزنٌ تدلِّيهِ الجنائبُ دلَّحُ